المجموعة حديثة نسبياً، فقد تأسست عام 2018 (يقودها جو ضو)، وقدّمت أمسيات عدة في لبنان، تمحورت حول أعمال آلاتية معروفة وأخرى غنائية (أبرزها Stabat Mater، العمل الشهير للإيطالي بيرغوليزي). في الواقع، هذه المبادرة تستحق الثناء والتشجيع. هذا لا شك فيه، لكن مديحها المجاني هو بمثابة هدية ملغومة. لنقُلها بحب وصراحة: هذه المجموعة هي، في فئتها، الأفضل محلياً… ومِن الأضعف عالمياً. ليس الهدف تخطّي عشرات الفرق الإيطالية والإنكليزية والهولندية والفرنسية (حيث الأعاجيب في مجال أوركسترات موسيقى الباروك)، لكن المطلوب عدم النظر إلى هذه المجموعة اللبنانية الناشئة كأنها بالمستوى الأوروبي الرفيع، لأن ذلك لن يسمح لها بالتقدّم نحو ذاك المستوى. نعتقد أن المشكلة الأساسية في الفرقة ليست مستوى الموسيقيين ولا شغفهم، بل الآلات نفسها. فجملة موسيقية ما، بأنامل العازف ذاته، على آلة جيدة، تكون أفضل بأضعاف. هذه مشكلة يمكن حلّها تدريجاً، علماً أنها مُكلِفة جداً.
على برنامج الفرقة، وهنا المفارقة في مشاركتها في «بيت الدين»، القليل من الباروك والباقي يطال حقبات أخرى من الكلاسيك الغربي، وصولاً إلى المعاصر، بالإضافة إلى بعض التيمات من أنماط قريبة قليلاً من هذه الأجواء، مثل الموسيقى الأوركسترالية التصويرية الآتية من السينما العالمية. القاسم المشترك بين ما اختارته الفرقة من عصر الباروك (بورسيل، فيفالدي وهاندل) ومن العصور اللاحقة (سان-سانس، بيزيه، بوتشيني، غرشوين، برنشتاين،…) وموسيقى الأفلام (زيمر، موريكونه،…) وغير ذلك، هو شعبية العناوين، كلٌّ في فئته ولدى جمهوره. هذا ما يوسّع دائرة جمهور الأمسية، التي تصبح بالتالي غير موجّهة لـ«المتطلّبين» من السمّيعة.
تقدّم فرقة «الأوتار الرنّانة» القليل من الباروك والباقي يطال حقبات أخرى من الكلاسيك الغربي، وصولاً إلى المعاصر
بعد استراحة ليوم واحد، أمسية (15 تموز/ يوليو) لعازفة العود والمغنّية المتخصّصة في الموسيقى الشرقية والصوفية والطرب الأصيل دالين جبّور، وهي من الأسماء القليلة المتمسّكة بهذا اللون والمتمكّنة منه في لبنان. في أمسية مشابهة قليلاً للجو العام لافتتاح «بعلبك» مع سميّة بعلبكي، تؤدّي دالين مع فرقتها باقة من كلاسيكيات الريبرتوار الطربي الأصيل والشعبي، مستعيدةً عناوين لنجاة الصغيرة وفايزة أحمد وأسمهان ونور الهدى وأم كلثوم وفتحية أحمد وسيّد درويش وغيرهم.
في اليوم التالي لأمسية الطرب مع دالين جبّور، تصل «بيت الدين» إلى آخر مواعيدها الفنية لهذا الصيف. إنه الختام (16/7). فأي مهرجان له افتتاح وختام. والختام، بعد سلخٍ عنيف لعبارة «مِسك» عنه، يحمل توقيع مُرَوِّض البيانو وهاري مفاتيحه ومُدَبِّس مطارقه ومُعَذِّب أوتاره ومُمَرمِغ دوّاساته ومحطِّم فؤاده: غي مانوكيان. أعان الله الحياة، من ورود وأشجار ومخلوقات مجهرية وصغيرة وكبيرة في أحراج بعقلين ووديانها، على هذه الليلة.
* «مهرجانات بيت الدين»: بدءاً من الليلة حتى 16 تموز (يوليو) ــ بيت الدين (الشوف) ـــــ beiteddine.org