القاهرة | جاء إعلان «دار ديوان للنشر» عن إطلاق مجموعتها الأولى من مشروع إعادة نشر أعمال نجيب محفوظ، ليحمل الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام في الوسط الثقافي المصري. الجدل اشتعل على خلفية نشر أغلفة الكتب التي جاءت دون توقعات كثيرين ممّن انتظروا الطبعات الجديدة بعد انتقال حقوق نشر أعمال محفوظ من «دار الشروق» إلى «ديوان» بدءاً من بداية أيار (مايو) الماضي. تضمنت المجموعة الأولى في مشروع «ديوان» روايات: «أفراح القبة»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«اللص والكلاب» التي انصبّت عليها أغلب التعليقات الغاضبة، إذ جاءت كتجسيد حرفي لعنوان الرواية، فيما اعتبر عدد من المثقفين أن تلك الأغلفة تعبير واضح عن الطريقة التي تتعامل بها الدار مع أعمال «عميد الرواية العربية». حتى إنّ بعضهم انحاز إلى الأغلفة الإلكترونية لـ«مؤسسة هنداوي» التي لا تتضمّن عادةً سوى صورة محفوظ وعنوان الرواية، على خلفية بيضاء، باعتبارها لم تشوّه العمل كما فعلت «ديوان».

عن الجدل الذي اشتعل على خلفية الطبعات الجديدة، يقول لنا الروائي المصري ابراهيم فرغلي: «شخصياً، أعتقد أنّ دار النشر هي المسؤولة عن التصميم، وصناعة النشر ليست عالماً نشأ بالأمس، بالتالي هناك تقاليد سائدة من بينها أن سلسلة الأعمال الكلاسيكية لا بد من أن تخضع لتصميم يضعها في سياقها. بالتالي، في حالة سلسلة كتب كلاسيكية لمؤلّف حائز جائزة «نوبل» ويعتبر مؤسّس الرواية المصرية الحديثة، يجب تخطّي الترجمة البصرية المباشرة لعناوين الرواية. مثلاً، فكرة وجود صورة كلاب على غلاف «اللص والكلاب» وهي رواية لا علاقة لها بالكلاب، له دلالات سلبية حول فهم الدار للنصوص». لكن هل يعني ذلك أن تغيب الرؤى والتفاعلات البصرية الجديدة مع أعمال محفوظ؟ يوضح فرغلي: «‎هناك شيء اسمه روح النص التي تخلق العلامة البصرية الخاصة بغلاف جيد، خصوصاً في حالة كتب نجيب محفوظ، فضلاً عن وجود فارق بين التجريب ومحاولة استعراض التجديد. الوعي العميق لنجيب محفوظ مثلاً هو الذي خلق الواقعية السحرية في متن رواية واقعية مثل «ثرثرة فوق النيل». وقس على ذلك في تصميم الأغلفة. وهذا هو السحر الذي يخلقه الجميل الأصيل المتجدد والثوري، وهنا يتجلى وعي الفنان الذي يميّز بين الجمال الزائف المحمول على قشور الثقافة وبين الجمال المحمول على ثقافة عميقة».

أثارت أغلفة الطبعات الجديدة جدلاً كبيراً في مصر

من جهته، يعتبر التشكيلي محمد مصطفى (1985)، أنّ ما أثارته لوحاته على أغلفة روايات نجيب محفوظ من جدل، كان أمراً متوقّعاً في مواجهة ما «طرحه من تجديد أو رؤية مختلفة لأدب نجيب محفوظ»، قائلاً: «بالطبع لكل شخص حق في إبداء رأيه بكل حرية، وهذه هي قيمة الفن في الأصل، لكنني لم أجد ملاحظات فنية دقيقة وأغلب التعليقات تعبّر عن أذواق ووجهات نظر شخصية». لكن ماذا عن لوحة غلاف الطبعة الجديدة لرواية «اللص والكلاب» التي اعتبرها بعضهم دليلاً على أنّ من رسمها لم يقرأ الرواية من الأصل؟ يجيب مصطفى: «اللوحة ليست ترجمة حرفية للعنوان على الإطلاق، وأنا كفنّان تعبيري من المهم أن أقرأ كلّ كلمة في الرواية قبل رسم الغلاف، ولا يمكن الاكتفاء بقراءة مختصرة عن الرواية لأنّ الصورة يمكن أن تكمن في آخر كلمة في النص. وبعد التفاعل مع الرواية ككل، أبدأ في طرح أفكاري ورؤيتي البصرية لها». وعن الأفكار التي تفاعل معها في الرواية وأراد تقديمها في لوحة الغلاف، يوضح: «أردت تجسيد الصراع الذي يعيشه بطل الرواية سعيد مهران ومصيره. لذلك، ظهر في لوحة الغلاف مديراً ظهره، وممسكاً بيده سلاحاً للانتقام، وهو مشهد يعبّر عن الصراع المحتدم الذي يعيشه. اخترت الكلاب لأنها صورة استخدمها الكاتب في روايته، ورأيت أنها ستولّد استفهاماً على المستوى البصري يتسق مع معنى الرواية وصراعها، فضلاً عن العلاقة المتداخلة بين البطل وابنته ثناء وحنينه إلى البيت الذي نشأ فيه ويحمل ذكرياته مع أبيه وشيخه الصوفي... كل هذه العناصر كانت خطاً محورياً، وكان مهماً تجسيدها على الغلاف الذي اعتمد على الرمزية، وهو الأسلوب الذي أحبه».
روح النص تخلق العلامة البصرية الخاصة بغلاف جيّد (ابراهيم فرغلي)


مدير النشر في «ديوان» الروائي أحمد القرملاوي، علّق أيضاً على الجدل القائم، قائلاً: «نبذل جهوداً كبيرة في كل التفاصيل المتعلّقة بالمشروع، بغية إخراجه بشكل يليق باسم الأديب العالمي نجيب محفوظ سواء على مستوى مقارنة الطبعات المختلفة أو على مستوى التصميم والتعبير البصري. وبالطبع، لن يكون ذلك مرضياً للجميع، ومن حق كل شخص أن يختلف ويقول وجهة نظره بكل حرية».
وعن عمل اللجنة التي تراجع أعمال نجيب محفوظ، قال القرملاوي: «انتهت اللجنة من مراجعة جميع روايات نجيب محفوظ، وتعمل حالياً على المرحلة الأخيرة التي تتضمن مقارنة الطبعات المختلفة من الثلاثية، وتدقيق الاختلافات في متنها»، معتبراً أنّها المرحلة الأهم في المشروع لما تمثله الثلاثية من أهمية كبيرة ضمن مشروع محفوظ الروائي.