بمعناه العام، الـ «ستاند ــ أب» نوع من الكوميديا التي تقدَّم بواسطة مؤدٍّ منفرد يتحدّث مباشرةً إلى الجمهور في بعض مظاهر العفوية. يعدّ هذا «الجنر»، على الأقلّ بالشكل الذي يُعرف به اليوم، ظاهرة ترفيهية حديثة إلى حد ما. في الولايات المتحدة، حيث تطوّر أوّلاً وحظي بأوسع شعبية، ترتبط أصوله بأسماء «أصيلة» في مجال الهزل، مثل مارك توين، الذي جاب البلاد في القرن التاسع عشر. بدأ في الظهور كنوع من الترفيه الشعبوي في الفودفيل (نوع مسرحي ترفيهي يمزج غالباً بين الـ farce والموسيقى، لاقى شعبية خصوصاً في الولايات المتحدة وكندا منذ بداية الـ 1880 حتى أوائل الـ 1930) في العقود الأولى من القرن العشرين. في حين أنّ الكوميديا ​​كانت عنصراً أساسياً في كلّ عروض الفودفيل، إلا أنّها غالباً ما اتخذت شكل فقرات مجمّعة تقدّمها فرق كوميدية ​​(تحدّث أعضاؤها إلى بعضهم وليس للجمهور). تم صقل هذا الأسلوب الفردي بشكل أكبر في منتجعات منطقة جبال كاتسكيل في نيويورك في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. طوّر الممثلون الكوميديون أسلوب مونولوج مليئاً بالهدوء، يتمّ اللعب فيه على وتر مواضيع كوميدية مألوفة، كالحماة المتسلّطة على سبيل المثال!

تطوّر هذا الفنّ خلال الحرب العالمية الثانية، حين استحال جزءاً من المسرحيات الهزلية بشكل أكثر احترافية، في سبيل رفع الروح المعنوية للأميركيين خلال الحرب. مكانته بين الفنون راحت تكبر في الخمسينيات، لتكون انطلاقته الفعلية في السبعينيات، قبل أن تنتشر «نوادي الكوميديا» في الثمانينيات خصوصاً وتتزايد أعداد الجمهور وتتكرّس أسماء لامعة بحلول التسعينيات. قائمة نجوم الـ «ستاند ــ أب» الأميركيين تشمل: إيدي ميرفي، جيري ساينفيلد، ستيف مارتين، كريس روك، كيفين هارت، ديف شابيل، كريس تاكر غيرهم. علماً بأنّ الأمر لم يقتصر على الولايات المتحدة بل شمل بقاعاً أخرى حول العالم.
محلياً، لا يعتبر الـ «ستاند ــ أب» طارئاً وإن كانت التجارب خجولة في الماضي، فيما يبرز فادي رعيدي في مقدّمة الشخصيات التي يُجمع على حبّها اللبنانيون.
لكن في السنوات الأخيرة، تشهد الساحة الفنية زحمة عروض من هذا النوع، أبطالها شباب يجدون في فضاءات جديدة مساحة للتعبير واستعراض مواهبهم (في مقدّمتها awk.word). صحيح أنّ سويّة ما يقدّم في هذه المواعيد متفاوتة جداً وتجنح صوب الابتذال في أحيان كثيرة، غير أنّ محبّيها في ازدياد مستمرّ، وما نفاد البطاقات بسرعة البرق إلا دليل على ذلك.
في هذا الإطار، يعود حسين قاووق الليلة إلى عالم الـ stand-up بعرض «اسحلو من شعرو» الذي يتشارك كتابته مع مخرج العمل محمد دايخ على خشبة «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت).
بعد تجربة تلفزيونية لم تكتمل ومسرحية ناجحة تنقّلت بين الحمرا والطيّونة، اختار الثنائي المحبوب خوض تجربة جديدة في هذا الإطار بالتعاون مع حسين دايخ، متطرّقين إلى مواضيع عدّة من رحم معاناة أبناء «بلاد الأرز».
لكن لماذا الـ «ستاند ــ أب» الآن؟ «لدينا الكثير لنقوله، لكنّنا لا نملك ترف الوقت لإنجاز مسرحية، فوجدنا أنّ هذه أفضل طريقة متاحة لتفريغ ما لدينا والتعبير عن أفكارنا»، يقول محمد دايخ لنا.
على الرغم من نجاح تجارب الـ «ستاند ــ أب» المرتبطة باسمه، إلا أنّ الشاب العاشق للسينما والمسرح ليس من هواة هذا الفنّ! «أشعر أنّه لا يرتقي إلى مستوى المسرح الذي أحبّ... هذا مجرّد رأي شخصي. وكمية العروض مستغربة حالياً، إذ يشعر المرء كأنّ الجميع يريدون أن يكونوا كوميديين».
محتوى العرض «قد يكون آخر ما نطرحه عن المجتمع الشيعي» (م. د)


وفي لبنان تحديداً، يعتبر دايخ أنّه بات «ضائعاً بين الهزل والضحالة الفكرية التي تجعل من غالبية العروض متمحورة حول الجنس والدين، مع سيطرة تبدو متعمّدة لقضايا معيّنة من بينها تلك المتعلقة بمجتمع الميم». ويرى أنّ المشكلة أنّ هناك من يصعدون على المسرح محاولين «تقديم كوميديا مستندة إلى نكات أجنبية كأنّهم يريدون لبننة عروض غربية! أما المشكلة الأكبر، فهي أنّ هناك جمهوراً يحبّ هذا ويجده مضحكاً».
يؤكد دايخ أنّه أثناء كتابة النص «هناك مواقع عدّة أحرص على عدم الانزلاق نحوها، على رأسها إهانة فئات أو أفراد. أفضّل تناول تفاصيل ضمن مجتمع كامل، بعيداً عن الإسفاف والشخصنة، وأحاول أن أضع نفسي دائماً مكان المتفرّج».
أمّا عن توقّعاته حول أصداء «اسحلو من شعرو»، فيشدّد أنّ «هناك أشخاصاً سيضحكون على أي حال لمجرّد أن يروا حسين (قاووق) على المسرح، في مقابل آخرين لديهم رغبة حقيقية في معرفة ماذا لدينا من جديد، وما هي الأفكار التي نريد إيصالها». ويشير أيضاً إلى أنّ محتوى هذا العرض «قد يكون آخر ما نطرحه عن المجتمع الشيعي، لأنّنا نريد توسعة البيكار قليلاً».
هدف، سيعمل عليه محمد وحسين في الفترة المقبلة بهدف تحقيق المزيد من التسويق والانتشار عن طريق مواضيع تهمّ دائرة أوسع من الجمهور المحلّي.
في هذا السياق تحديداً، يخبرنا دايخ أنّه أنهى العمل على حلقة أولى من مسلسل قصير، غير أنّه ينتظر فرصة الإنتاج من أجل إكمال المشروع، فيما تبدو عينه شاخصة على منصات البثّ التدفّقي التي تتنافس في منطقتنا.

فيلمه الأوّل «هَرْدَبَشْت» يصل إلى الصالات في الخريف، من بطولة حسين قاووق، غابريال يمين وغيرهما


مشكلة الإنتاج تنسحب أيضاً على المحتوى الذي قد يقدّمه مع قاووق على يوتيوب، حيث هامش الحرية أكبر والعمل «أريح» مقارنة بالإعلام التقليدي، فإنتاج حلقات خاصة بهذه المنصة يتطلّب ميزانية «وهي غير موجودة».
هذا ليس كلّ شيء. فوسط كلّ الانشغالات، وصل دايخ إلى اللمسات النهائية في مرحلة ما بعد الإنتاج لفيلمه الأوّل «هَرْدَبَشْت» الذي تولّى كتابته وإخراجه وأنتجه أمير فوّاز عبر شركة «فينيسيا بيكتشرز». الشريط الذي يمتدّ على 90 دقيقة ويُفترض أن يصل إلى الصالات في الخريف المقبل، من بطولة حسين قاووق، غابريال يمين، حسين دايخ، رندة كعدي، فؤاد يمين، لكساندرا قهوجي، محمد عبده وماريا ناكوزي. القصة غير كوميدية، تتركّز على ثلاثة إخوة يعيشون مع والدتهم في منطقة الأوزاعي، اثنان منهم «زعران» بينما الثالث ملتزم دينياً، وهو «أمل والدته في الحياة». يتعرّض هذا الأخ لموقف، تبدأ من بعده الأحداث بالتطوّر. انطلاقاً من هذه العائلة الغارقة في الفقر المدقع، يعرّج الفيلم «الجريء جداً» (بحسب تعبير صاحبه) على مروحة من المواضيع، منها الدولة وهيبتها وحياة الشارع.

* رض «اسحلو من شعرو»: 1 و2 و3 و6 و 7 تموز (يوليو) الحالي ــ الساعة التاسعة مساءً ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). البطاقات متوافرة في «مكتبة أنطوان». للاستعلام: 01/753010