قبل أيام، تعرضت فتاة تدعى نيرة أشرف للذبح أمام مدخل جامعتها في محافظة المنصورة في مصر على يد شاب كان يريد الزواج منها، لكنّها رفضته. سدّد القاتل طعنات عدة في صدر الضحية ثم جرّها حتى وصل إلى الرصيف وذبحها فوقه. في الأردن أيضاً، تلقّت فتاة رفضت الارتباط بزميلها أربع رصاصات، ثلاثة في صدرها وواحدة في دماغها. واعترف القاتل بأنّه اتخذ من الشاب المصري قدوةً بسبب تعرضهما سوياً للرفض. هذه الجرائم ليست الأولى وربما ليست الأخيرة. تحدث جرائم القتل في جميع أنحاء العالم، بسبب الرفض العاطفي أو الجنسي من النساء تجاه الرجال بشكل مستمرّ. أحياناً، لا تصل إلى القتل لكن يتم ارتكاب جرائم عنف أخرى تجاه النساء مثل محاولات التشويه المعنوي والمادي، والمطاردات المرعبة للضحية، والاغتصاب أو الاعتداء بالضرب.

(بوليغان ــ المكسيك)

يستخفّ المتلقّون لهذه الأخبار أحياناً بالسبب الذي أدى إلى حدوث جريمة القتل. يرون أنّ الأمر لا يستحق كل ذلك. بالتأكيد هذا الرأي نابع من الحزن الشديد على الضحايا وأيضاً لعدم فهم سيكولوجية الرفض، لكنّه إنكار لدور الضغوط الاجتماعية التي ساعدت على خلق رجال متشرّبين ذكورية سامة، لتوكيد ذواتهم وهيمنتهم.

الحاجة للقبول والحبّ
الحاجة للقبول والحب والانتماء إلى جماعة ما أو شخص ما أمر طبيعي. تبدأ المشكلة حين يتحوّل هذا الاحتياج إلى شعور بالاستحقاق. عندما يتقدم شاب لطلب الارتباط بفتاة، فهو ــــ قبل أن يعبّر عن طلبه ــــ تتملّكه مشاعر الإثارة، ويتوقع السعادة والمتعة التي تنتظره. وحين يُصدم بالرفض، يهتز وجدانياً، يتألم ويتملّكه الشعور بالغضب وبالخزي. مع ذلك، يشعر بعض الأفراد بلسعة الرفض بشكل أكثر حدة من الآخرين، ولديهم أيضاً خوف مبالغ فيه من أن يرفضهم من حولهم. هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى سمة تُعرف باسم «حساسية الرفض».
يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي في «جامعة هارفارد» ماثيو ليبرمان: «وجدنا أنّ الضرر الاجتماعي المستحثّ، يشبه إلى حد بعيد الإصابة الجسدية المستحثة». يشرح ليبرمان أن الدماغ يجد الإقصاء الاجتماعي ضاراً، لذلك فهو يولّد استجابة للألم. الحساسية للرفض ليست «في رأس شخص ما» فقط. تشير الدلائل إلى أن الشعور بالرفض عند الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه السمة، يؤدي إلى تغيّرات فيسيولوجية. ذلك أنّ دراسات تصوير الدماغ، أشارت إلى أنه عندما يرى الأفراد الذين يعانون من حساسية من الرفض، تعابير وجه مرفوضة، فإنهم يظهرون نشاطاً متزايداً في مناطق الدماغ التي تؤثر على ضغط الدم واتخاذ القرار والعواطف.

المطاردة والابتزاز
غالباً ما تكون هناك مراحل قبل قرار العنف والقتل، مثل الابتزاز العاطفي والمطاردة. تشير الدراسات إلى أنّ خزي الرفض يحفّز محاولة إعادة الاتصال والمطاردة. تأتي هذه المشاعر من حالة الإنكار وصعوبة تقبّل أنه «تم رفضك»، خصوصاً للأشخاص الذي يرتبط احترامهم لذاتهم ارتباطاً وثيقاً بكونهم في علاقة رومانسية. هؤلاء سيكونون حساسين بشكل خاص تجاه الرفض، ذلك أنّ رفض الشريك لهم يجعلهم يتصوّرون أنها نهاية العالم وأن لا حبّ بعد اليوم. ولأنّ ذلك شيء غير محتمل، يلجأ العديد من الأشخاص إلى مطاردة الشريك الذي رفضهم، أملاً في تغيير رأيه للحصول على مشاعر الحب والتقبل التي بدورها ستعزز نظرته لذاته. في حالة نيرة أشرف، طاردها القاتل مرات عدة حتى إنها حرّرت محاضر عدة (عدم تعدّي) ضده لتسلَم من مطاردته. لم يترجم القاتل كلمة «لا» بكل الطرق التي حاولت نيرة التعبير عنها، بل رأى أنّ كل هذا الرفض هو إهانة لشخصه وهويّته.

الهيمنة والسيطرة
في مجتمعاتنا، تتم تنشئة الرجال وفق معايير معينة، وهو مطالَب أن يتصرف وفق هذه المعايير، لعلّ أبرزها الهيمنة والسيطرة. وهذه صفات أساسية للذكورة السامة. أيضاً هناك مبادئ توجيهية يجب أن ينجح فيها الذكر باستمرار ليحافظ على هويته مثل النجاح الجنسي والرومانسي مع المرأة. هذه المبادئ الضاغطة على الذكر، تعزّز رؤية المرأة كشيء أو غاية أو مجرد كائن. وفقاً لعالمة الاجتماع راوين كونيل، فإنّ الذكورة مبنية اجتماعياً من خلال نظام التفاعلات الاجتماعية والممارسات. يسمّى شكل الذكورة السائد في ثقافة معينة بالهيمنة الذكورية وهي التعبير الرئيسي عن «الامتياز الذي يتمتع به الرجال بشكل جماعي على النساء، في حين أن الرجولة المهيمنة قد لا تؤديها حتى غالبية الرجال داخل الثقافة، وتؤكد أنه لا يزال يتم التمسك بها على أنها الطريقة المعيارية لكونك رجلاً. ويتم تهميش الرجال الذين لا ينتمون إلى هذه المعايير». لأن الرجولة المهيمنة تعزز أيضاً العداء تجاه المرأة كوسيلة لتعزيز هيمنة الرجل مراراً وتكراراً، يخلق ذلك حالة يشعر فيها الرجال ليس فقط بأنهم يستحقون المرأة جنسياً، ولكن أيضاً أنه من العدل الرد على رفض الإغراء الجنسي بالعنف. تُشير الدراسات إلى أن الرفض يؤدي إلى الإضرار بالمزاج، ما يجعل الأفراد متحمّسين لإصلاح حالتهم العاطفية ذات القيمة السلبية عن طريق العدوان، فالرفض يخلق شعوراً بـالعار يدفع الرجل إلى الإحساس بالحاجة إلى الدفاع عنه بأن يكون عنيفاً جسدياً. يعمل هذا العنف على تهدئة إحساس الرجل بالذات المضطربة وجرح الكبرياء. ذلك أنّ العدوان الانتقامي تجربة ممتعة لأنّه يسبب إصلاح المزاج ويقلل من تهديد الأنا والشعور بالذات. وفي هذه الحالة، ينظر علماء الأعصاب إلى العنف بسبب الرفض على أنّه ردة فعل تلقائية.
أما بالنسبة إلى علماء الاجتماع والجريمة، فيؤكّدون أنّ هناك فجوة بين الغضب والعنف، لكنّ الذكورة السامّة تسدّ هذه الفجوة، وهي تفعل ذلك من خلال معتقدات الشرف الذكورية. إذ يملي الاستحقاق النرجسي أن يشعر الرجال أن النساء مدينات لهم جنسياً وعاطفياً.
يشرح جيمس دبليو ميسرشميت أستاذ علم الاجتماع ورئيس قسم علم الجريمة في «جامعة جنوب مين»، حيث يُدرس أيضاً في برنامج دراسات المرأة والجندر أنّ العنف نفسه يأتي من الحاجة إلى استعادة شرف المرء، لأن الرفض الرومانسي والجنسي يُنظر إليه على أنه إهانة. وليس مستغرباً أنّ الرجال الذين لديهم معتقدات شرف قوية، هم أكثر عرضة للرد على التهديدات ضد قيمتهم الاجتماعية بالعنف. مع ذلك، من المثير للاهتمام ملاحظة أنّه عادة ما يكون الأفراد الذين يتجهون للعنف ضد النساء، هم أكثر الأفراد الذين يدركون العقاب الاجتماعي الذي ينزل برجولتهم من نبذ وتهميش وتحقير، بل أيضاً يمارسونه على أقرانهم إذا فشلوا في تكوين علاقة عاطفية/ جنسية مع المرأة. رفض الإناث لتقدّم الذكور، يُنظر إليه على أنه تهديد حقيقي، لأنه يدعو إلى التشكيك في قدرة الرجل على أداء دوره الذكوري، أو الأهم من ذلك قدرته على التملك والسيطرة، فيتم اعتبار الرفض الرومانسي/ الجنسي كعمل من أعمال الحرب على رجولتهم، بدلاً من الإصرار في سعيهم وراء الرجولة الناجحة.
ويوضح ميسرشميت أن هذه هي عملية التفكير التي تغرسها الذكورة السامة في كثير من الرجال منذ طفولتهم: الجنس مع النساء هو علامة على الذكورة المهيمنة، والذكورة المهيمنة هي النجاح المطلق.

مصادر:

The Danger Of ‘no’: Rejection Violence, Toxic Masculinity And
Violence Against Women


Connell, Robert W. (2001). Understanding men: Gender sociology and the new international research on masculinities.

Messerschmidt, J. W. (2017). Adolescent boys, embodied heteromasculinities and sexual violence. Centre for Educational Policy Studies Journal, 7(2), 113–12