بعد ساعتين ونصف الساعة من فيلم «ألفيس» (2022)، سؤال واحد يخطر في بالنا عند خروجنا من الصالة وهو «أين ألفيس بريسلي؟». يحتوي الشريط الذي يُقال إنه يحكي قصة وحياة «ملك الروك» على مشاهد لا تُحصى من الموسيقى والغناء والرقص والتعرّق، ولكننا لم نرَ ألفيس. تعامل المخرج باز لورمان («مولان روج»، «غاتسبي العظيم») مع الملك على أنه مجرد فكرة، مفهوم، استعارة. بدا كأن لورمان استخدم بريسلي (أوستن باتلر) كذريعة لعرض أسلوبه السينمائي المتكرّر وغير المتجدّد. صحيح أنّ أفلام المخرج الأسترالي السابقة كانت مليئة بالحيل البصرية، ولكن الشكل البصري ظلّ متواصلاً مع القصة ومكملاً لها يُعيد تشكيلها. ولكن في «ألفيس»، يشبه الفيلم مقالة ويكيبيديا، مزخرفة بزهور وموسيقى ورقص. فيلم لا يتقدم، بل يقفز من مكان إلى آخر من دون أي تغيير في السرعة. وفوق كل هذا، اختار المخرج نهجاً غير تقليدي في سرد قصة الأسطورة. فعلى الرغم من أن الفيلم يحمل اسم ألفيس، إلا أنّ البطل الحقيقي (الراوي) هو الكولونيل توم باركر (توم هانكس)، مدير أعمال ألفيس الذي تلاعب بألفيس وسيرته المهنية، وغرس فيه الخوف والشك، الرجل الذي أخذ ألفيس الصغير بيديه ولم يتركه حتى وفاته، وأدار حياته بطريقة قاسية ومنحرفة. قبل عرض الفيلم، كان هناك شك في أن لورمان هو الشخص المناسب لنقل سيرة الملك على الشاشة الكبيرة، لأنه ليس المخرج التقليدي لهذا النوع من الأفلام، ولكن أسلوبه قد يكون له ميزة، فهو لديه الخيال والفيضان الحركي الذي لا ينضب، على الرغم من أن أفلامه ليست عظيمة. شكّنا كان في مكانه، أعطانا لورمان انفجاراً لا طائل له من البريق الشديد اللمعان، هو البريق نفسه الذي رشه على أفلامه السابقة. يغطي الفيلم ألفيس طوال حياته، ويركز على مرحلتين أساسيتين: بدايته عام 1955 حتى رحيله إلى الخدمة العسكرية في ألمانيا عام 1960، وعودته المجيدة عام 1968 بفضل العروض التلفزيونية، وما تلاها، وعروضه الكثيفة في لاس فيغاس.


أسلوب لورمان البراق، حوّل الفيلم إلى فيديو كليب طويل عن ألفيس، شريط خالٍ من الأفكار والأقوال. لا يقول لنا كيف أصبح ألفيس ملك الروك أند رول. بينما يؤكد الفيلم على تأثير ألفيس على الموسيقى والثقافة الشعبية الأميركية، لكنه لم يكلف نفسه عناء شرح ذلك. الفيلم متفجر بصرياً فقط، لكنه لا يمتلك الشجاعة للوصول إلى العمق، يُرينا ألفيس كمنتج تسويقي ويذكر القليل من عبقريته الموسيقية. يقدم الفيلم نسخة خفيفة ومفرطة في الخير لشخصية من الواضح أنّ لها عمقاً أكبر بكثير مما نعرفه أو نتخيله. لم نفهم تماماً العلاقة المرضية بين ألفيس ومدير أعماله ولا حتى شخصية الكولونيل. لا يوجد في الفيلم أي لحظة حميمية، كأننا أمام أسطورة روبوتية تُثير النساء فقط، لا أمام رجل من لحم ودم. الفيلم عبارة عن ريميكس لأغنيات ألفيس وعرض سمعي بصري عظيم بميزانية كريمة، ولكن بمجرد إطفاء أنوار صالة السينما، تنتهي الضوضاء والفوضى ونشعر بفراغ عميق وإحباط. من الصعب حتى الحكم على أداء أوستن باتلر بشخصية ألفيس، لأنّ معظم ما رأيناه خلال الفيلم هو خصره وحركة قدميه. حتى توم هانكس يظهر في أسوأ أعماله التمثيلية، ببطن وأنف وأداء مبالغ فيهما.
حوّل باز لورمان الفيلم إلى فيديو كليب طويل


فيلم «ألفيس» أجوف، لا يهتم بأصول الملك الموسيقية والثقافية، يمر على حياته وتأثره بالموسيقية الافرو أميركية والأحداث السياسية والاغتيالات التي حصلت خلال حياته مرور الكرام. حتى صداقته مع بي. بي. كينغ مر عليها الفيلم كأنّها شيء عادي. لم يكلف الفيلم نفسه عناء تضمين لحظة واحدة يظهر فيها الملك كأنه عظيم أم أنه خلق شيئاً جديداً، ولا كأنه أسطورة أحدثت ثورة في الثقافة الشعبية. بينما كان الفيلم يلمع من الخارج، كان ألفيس فارغاً من الداخل. ركز لورمان على إغراقنا ببذخه البصري، ولم يكن مهتماً بألفيس هذا إن كان يعرف عنه أي شيء. أفاد من الملك وفرّغه من كل شيء. «ألفيس» ليس فيلماً، إنّه قصة خرافية تستند إلى قصة حقيقية عن صبي فقير اشتهر في يوم من الأيام ثم أدمن العقاقير وزاد وزنه ومات.

* Elvis في الصالات