«توق» عنوان معرض عزّة أبو ربعية (مواليد حماه 1980) في «غاليري صالح بركات» بمشاركات للمؤلف الموسيقيّ خالد عمران ومهندس الصوت طارق خلوتي، وعمل تركيبيّ لنيلسي مسعود منحته عنوان «تحوّل». حركيّة الانتقال في الزمان والمكان وما تُحدث من تناقضات، هي سمة هذا المعرض كثير التحوّلات، إذ تلجأ أبو ربعية إلى تفكيك تلك التحوّلات بوسائط متنوّعة، ثمّ تُعيد جمعها في إطار مختلف، معبّرة عن صراع مع الوجود عبر «رفرفة» إيقاعيّة لفراشة. كأنّها نبضات قلب تتوق لكلّ شيء وللاشيء. تفكّك الفنانة السورية أجزاء من كينونتها لتُعيد تشكيلها في أعمالها الموزّعة بين رسوم ونقش ولوحات أكواريل، مفصحةً عن تحوّلات الجسد. وفي أعمال النقش رؤية بصريّة ذات حسّ شعريّ خاص لشخوص الاسكتشات التي تُفكَّك، ثم يُعاد تشكيلها في تكوينات مختلفة. عناصر الحضور البشريّ متراصّة، متداخلة، معلّقة على خيط نجاة رفيع هو نفسه الذي تتمسّك به الفنانة. خيط غرافيكيّ مردّه خبرات أبو ربعية وإحساسها كمزاولة لفن النقش أيضاً. بيد أنّه مجرّد أثر مرسوم تُختزل غايته في تحديد البنية الشكلّية فقط، علماً أنّها تبرز أهميّته في مواضع أخرى، فيُمسي ذا دلالات مفتوحة على المعاني. يمتزج الخيط/ الخطّ ليرسل إشارات شفّافة، بحسّ طفوليّ تستشعره الفنانة فزعاً ووحشةً يتجسّدان في تكوّر الشخوص وانطوائها على ذاتها. مع ذلك، يسعنا القول إنّ الدلالات المرجو إبلاغها تفتقد كثافةً إيحائيّة وتميل إلى نوع من التبسيط والتسطيح. نشعر بذلك أمام أشكال متعدّدة لزهرة أو فراشة أو شرنقة تبعث من جوفها روحاً بشرية تتوق إلى الحرية. ورغم هشاشة الفراشة وسرعة عطبها، إلّا أنّها في أعمال عزّة مخيفة، فكلّ مَن لا تدخل نطاق وجوده، «يتشرنق» ويتمزّق، فيتحوّل جناحاه إلى جسدين يتعانقان ثمّ ينفصلان وسط تحوّلات (ميتامورفوزات) الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر، تغلّفهما لطخات لونيّة حمراء وصفراء. يبدو فرانز كافكا مرجعاً روائياً لأعمال عزّة أبو ربعية التشكيليّة وأعمال الفنانين المرافقة لمعرضها، فكافكا في إحدى أشهر رواياته «المسخ» أو «التحوّل»، يستحيل صرصاراً، وصرصاره ألهم عزّة فراشتها كما ألهم زميلتها نيلسي مسعود عنوان عملها التركيبيّ وتأويلاته. فراشة عزّة متحوّلة بامتياز، فهي فراشة في لوحة وأنثى يراقصها ذكر في لوحة أخرى وجنين في رحم امرأة في لوحة ثالثة. جناحاها يتحوّلان شفتين مهيّأتين لقبلة. وفي إحدى اللوحات، تخترق الفراشة عزلة امرأة، فتبعثر جدائلها ذات ليلة حالمة. تتنقّل الفراشة بين أعمال الرسم والحفر والنحت... لتموت أخيراً في لوحة.
تتنقّل الفراشة بين الرسم والحفر والنحت... لتموت أخيراً في لوحة


إلى عمل اللبنانية نيلسي مسعود، يحتلّ تجهيز «تحوّل» مساحة الطبقة العلوية من الغاليري، وينطوي على قابليّات التحوّل الوجودية في الذات الإنسانيّة. أمّا التحوّل، فيتمثّل لديها استحالة اليرقات فراشات (الفراشة رمز مشترك، ويا للمصادفة، مع ثيمة عزّة)، وموادّ العمل التركيبيّ وعناصره تخلق هيكلاً لأشكال الحياة المتجدّدة، وإشارة ختامية إلى أن الفنانة مسعود أمضت ثلاثة وعشرين عاماً في نيويورك حيث تخصّصت في الفسيفساء الزجاجيّة وتمرّست فيها قبل عودتها إلى بيروت عام 2005.

* «توق»: حتى 23 تموز (يوليو) ـــ «غاليري صالح بركات» (كليمنصو) ــــ للاستعلام: 01/365615