فيلم «القبيلة» (2014) للأوكراني ميروسلاف سلابوشبيتسكي الذي يعرض في «متروبوليس أمبير صوفيل» (1 تموز/يوليو) ضمن «أسبوع النقاد»، هو فيلم صامت لو أنه متكلم في آونة واحدة. كل حوارات الشريط الحائز جوائز عدة، هي بلغة الإشارة التي يعتمدها الصم والبكم من دون ترجمة ولا موسيقى. إحساس غريب يراود المشاهد الذي يجهل لغة الإشارة في تجربة تنقل إليه شعور الأصم والأبكم. وفي حين يجاهد ليفهم الحوار، يحاول أن يلتقط معاني الكلمات التي لا يسمعها عبر الصورة.
كذلك، يمزج المخرج بين لغة الإشارة واللغة السينمائية في بعض المشاهد ليؤسس جمالية خاصة كما في مشاهد البداية حين نرى الضوء الذي يشتعل ثم يخفت معلناً انتهاء الحصة الدراسية. إنها تجربة صعبة لكن فريدة يعيشها المشاهد. رغم أنّه لا يفهم الحوار بدقة، إلا أنه يبدأ تدريجاً بالتواصل مع هذه اللغة من خلال إحساسه بتعابير اليدين والوجه. تتوالى الصور ليركِّب قطع الفيلم كما الأحجية في رأسه. يروي العمل قصة سيرجي الأصم الأبكم الذي يدخل مدرسة داخلية للصم والبكم تحكمها عصابة مكونة من طلاب عنيفين وطالبتين مراهقتين تذهبان ليلاً في السرّ لممارسة الدعارة في موقف للشاحنات بهدف جمع المال والخروج من أوكرانيا. يدير أنشطة العصابة معلّم نجارة وآخر يعمل في المدرسة. يتعرض سيرجي يومياً للتعنيف والضرب من قبل أفراد العصابة إلى أن يأتي يوم ويُدهس فيه المسؤول عن مرافقة الفتيات إلى موقف الشاحنات، فيستبدلونه بسيرجي. المذهل بقسوته هو الميكانيكية والبرودة التي يصوّر فيها المخرج الأحداث كما حين تدهس الشاحنة مرافق الفتيات بينما يحاول أن يومئ للسائق لكنه لا يسمعه.

يعتمد «القبيلة»
على لغة الإشارة من دون موسيقى

بعدها، يقترب صديقه ويتفحصه ثم يتأكد من موته بهدوء قاتل. كذلك، فالكاميرا دائماً بعيدة على مسافة محايدة من الشخصيات، والأحداث تصوّر التفاصيل بميكانيكية. هذا ما نراه مثلاً في الموقف حين نراقب كل ليلة كيف تدور الفتيات بين الشاحنات ويطرقن باب كل واحدة بينما الكاميرا تتبعهن من بعيد عبر المسافات الضيقة بين كل شاحنة وأخرى، أو في المشهد الأخير حين يغتصب سيرجي آنا بعد أن يقتل الجميع. نراقب في مقدمة مشهد السرير واهتزازه كأنما صوت الغضب الذي لا نسمعه. ليس صمت الفيلم الظاهري هو الأقسى بل الصمت الداخلي التي تعيشه كل الشخصيات. وحده سيرجي المختلف الذي لا يبدو مخدراً بالكامل كغيره، يتفاعل. بعد ممارسة الجنس مع آنا، يغرم بها ويحاول منعها من ممارسة البغاء والسفر، فيعاقب بالضرب المبرح من قبل بقية الشبان، حتى يجن في النهاية ويسحق رؤوسهم بينما هم نائمون. لكن حتى هذه النهاية الرهيبة تبدو أقل قسوة من باقي الفيلم حيث التفاعل مفقود كأنهم جميعاً أموات منذ البداية باستثناء مشاهد الحب بين سيرجي وآنا حين يمارسان الحب للمرة الأولى. عبر التفاصيل المعبرة والجميلة، ينجح المخرج بصمت في تصوير التصادم بين الاثنين وكيف يرفض سيرجي أن يمارس الجنس مع آنا بالطريقة الميكانيكة التي تريدها ويقودها تدريجاً حتى تتخلى عن دفاعاتها. لكن سرعان ما تسدل الستار على مشاعرها مجدداً خصوصاً بعد المشهد الرهيب حين تجري عملية إجهاض ونسمعها تجهش في البكاء. الصوت الوحيد الذي نسمعه طوال الفيلم، هو صوت الألم.