أخيراً، وصل الغزو «الداعشي» إلى بلاد العم سام. «المجاهدون الإعلاميون» في تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام/ داعش» أعلنوا أمس «بدء غزو إعلاميّة ضخمة» في جمعة أطلقوا عليها اسم «جمعة تحذير الشعب الأميركي».
النفيرُ أعلن صباحاً، ليبدأ بعدها القصف التمهيدي في انتظار الساعة الصفر التي حُددت «بعد صلاة الجمعة»، واختير الوسم (هاشتاغ) CalamityWillBefallUS# ساحةً للغزوة على تويتر. يستهدف التحرك الرأي العام الأميركي، برسائل من قَبيل «ستكونون هدفاً لنا أينما كنتم». الجهاز الإعلامي لـ«داعش» استعدّ لكلِّ شيء، فوَفّر التعليمات اللازمة للمشاركين في «الغزوة». وضع في حسبانه أنّ بعض «الغزاة» قد يصعب عليهم التغريد بالانكليزية، فوفّر لهم تغريداتٍ جاهزة بلغة شكسبير مفادها «إذا قصفت الولايات المتحدة العراق، فكل مواطن أميركي سيكون هدفاً لنا»، و«سنذبح كل طبيب أميركي يعمل في أي بلد»... علاوةً على التغريدات المكتوبة، حفل الوسم بصورٍ لجنودٍ أصيبوا خلال الغزو الأميركي للعراق، مع نصائح للأميركيين بالحيلولة دون إرسال أبنائهم إلى العراق مجدداً، كيلا يلقوا المصير ذاته.
#CalamityWillBefallUS أُطلق تحت مسمى «جمعة تحذير الشعب الأميركي»

وخلافاً للسخرية التي قد تستدعيها الفكرةُ أوّل الأمر، لا يمُكن النظر إلى هذه الخطوة في معزلٍ عن «الاستراتيجية» الإعلامية التي ينتهجها التنظيم. استراتيجية يُمكن وصفُها بـ«الناجحة» بغض النظر عن الموقف من التنظيم بحدّ ذاته. إذ تُدل على نجاح «داعش» في التحول إلى حديث الجميع خلال الأشهر الأخيرة، إلى درجة جعلت بعض أبرز وسائل الإعلام العالمية تتوقف عند الأداء الإعلامي للتنظيم. تساءلت «غارديان» البريطانية مثلاً: «من يقف وراء إعلام داعش القوي؟». ليست الإجابة سهلة. في سبيل الوصول إليها، لا بدّ من معرفة «من يقف وراء تحركات داعش العسكرية». مثلما يعمل التنظيم على الأرض بتخطيط مسبقٍ، وبعيداً من الاعتباطية، نجده قد استعدّ للمعركة الإعلامية مسبقاً، وخطَّ «نهجاً» لـ«الجهاد الإعلامي». في 2012 مثلاً، أصدرت الذراع الإعلامية للتنظيم «مؤسسة الفرقان» سلسلة سمّتها «المنهجيّة في تحصيل الخبرة الإعلامية»، وعرّفت عنها بأنها «نشرات تدريبيّة للمجاهد الإعلامي». السلسلة تضمّنت عشر حلقات (يراوح طول كلٍّ منها بين 24 و50 صفحة) جاءت تباعاً «لئلا تملها العقول، ولتكون أوقعَ في النفوس، اقتداءً بالآية القرآنية {وَقَال الَّذِينَ كفرُوا لوْلا نُزِّل عَليْهِ الْقُرْآن جُمْلًة وَاحِدَة،كذلِكَ لِنُثبِّتَ بهِ فؤَادَكَ وَرَتَّلنَاهُ تَرْتِيلا}» على حد تعبير مقدمة السلسلة. ثمة نقاط كثيرة تستدعي التوقف عندَها في السلسة المذكورة، على رأسها حرصُ واضعيها على المزاوجة بين «الايديولوجيا الشرعية الجهادية» و«الحرفية الإعلامية».
الإعلامي «مجاهدٌ» في الدرجة الأولى. وعلى هذا النحو تخاطبه السلسلة في كل حلقاتها بعد التأكيد في الحلقة الأولى بأنّّ عمل الإعلامي يدخل «أبواب الجهاد» التالية: «الجهاد باللسان، الجهاد بالنفس، التحريض على الجهاد، إغاظة العدو، إدخال البشرى لقلوب المؤمنين، طاعة ولي الأمر، قول الحق، والتصدي للغزو الفكري». في الوقت نفسه، تُقدم السلسلة تحليلاً وتفنيداً ونقداً لأبرز «النظريات الإعلامية الوضعية المعاصرة» لـ«إحاطة إعلاميّينا اﻟﻤﺠاهدين بالنظريات والآراء والأفكار والمدارس والمشارب التي تسيّر الإعلام المعادي اليوم، كي يعرف أولاً معايير وأسس ومبادئ سحرة فرعون (إعلاميّي الحكومات)، ويميّزها ثانياً عن إعلامه الإسلامي الجهادي». وتحفل الحلقة السابعة من السلسلة بمقاربات نقدية لإعلام غوبلز والنظرية السلطوية ونظرية الحرية المطلقة والنظرية الشيوعية... وتخلص إلى أنّ «جميع النظريات الإعلامية الأخرى، نظرها بشرٌ، من زبالة أفكارهم وُقلامة آرائِهم، وطبّقها نفرٌ، من تجار الإنسانية، خدمة لمصالحهم الشخصية». ويكون البديل في «النظرية الإعلامية التي تبنّاها اﻟﻤﺠاهدون» والدعوة إلى «تدوين النظرية الإسلامية للإعلام». في نهاية الحلقة الثامنة، يؤكد واضعو السلسلة أنّ «وضع الأهداف ورسم الخطط الإعلامية يتواءم مع تنظيم الكون، فالخالق جلَّ جلاله قد خلق الكون وجعله غاية في التنظيم، فالكون كّله منظم؛ ولا مكان فيه للعشوائية». إنّها خلاصةٌ توضح الأهمية القصوى التي يوليها «داعش» لـ«الجهاد الإعلامي». حسناً أيها الإعلاميون، اقرأوا «منهج داعش»، وهلمّوا بنا «نجاهد».