عندما لاحظ المعماري والمصمم المديني قيصر عريضة وزوجته المنسقة الفنيّة سابين دو موسيون أن طفلتيهما الصغيرتين تلعبان بأغراض توحي بأجواء هوليوودية أو إنكليزية، قررا خلق أدوات لعب أكثر التصاقاً بالواقع والحاضر. هكذا انطلق مشروع Urbacraft من حاجة شخصية إلى اختراع أدوات لعب تتوجه إلى الأطفال من عمر ٧ سنوات كما إلى البالغين والمحترفين.
«أورباكرافت» عبارة عن نظام تعميري مصغر (قياس نسبته ١ على ٦٤) يتألف فقط من وحدتين هما قطعتان تتداخلان لتشكلا مجسمات لمدن كاملة: أوربس (Urbs). بتشابكهما، تؤلف هاتان القطعتان حيطاناً عمودية وأرضيات وأسقفاً من مادة بلاستيكية غير مؤذية للأطفال. إلى جانب «أوربس»، توفر اللعبة عناصر «الكيتس» المؤلفة من أدوات لتركيب الواجهات والدرابزين وإضافة النباتات والأشخاص من مواد ورقية أو كرتونية. أما جميع تلك المواد، فتم تصميمها وتصنيعها في لبنان من دون الاستعانة بالمعامل الصينية كما هي حالة الألعاب المتوافرة في لبنان.
تصميم نسرين خضر وناجي زهار تهكّم على المشاريع التي تستولي على الأملاك البحرية

عبر «أورباكرافت»، قصد قيصر وسابين الاعتماد فقط على قطعتي «أوربس» بسيطتي التصميم لأنهما أرادا تجنّب فخ الفولكلور وتأمين مواد تصميم لبيوت مع أسقف قرميد وقناطر، بل أرادا دفع التصميم نحو هندسة معمارية أكثر عالمية. محدودية شكل القطعتين تؤمّن معوقات أمام الاستسهال في بناء بيوت تقليدية، وتدفع اللاعب إلى تحديها من أجل التفكير في منطق معماري معاصر وأقرب إلى ما نشهده في مدننا اليوم.
لإطلاق «أورباكرافت» في لبنان، يقدّم قيصر عريضة وسابين دو موسيون معرض «مساحات بيروت اللامتناهية» في الطابق الثاني لـ«مركز بيروت للفن». يضمّ المعرض مجسمات وتصاميم صُنِعت بواسطة «أورباكرافت» من قبل معماريين وفنانين ومصممين. عمل بعضهم بمفرده أو مع أفراد عائلته الأطفال. من الأعمال المعروضة «درج إلى الجنة» للمصمم ربيع كيروز، ومشروع عمارة يمتد من كورنيش الروشة فوق المياه حتى فوق صخرة الروشة لـ «مكتب شارل حديفة للهندسة المعمارية» بعنوان «زدنا الاستثمار».
أيضاً، قدّمت نسرين خضر وناجي زهار مبنى يرتفع فوق وحول صخرة الروشة فيما نرى أشخاصاً يقفزون من المبنى إلى المياه للسباحة أو الانتحار. أما المشروع فيحمل عنوان «شركة بلّوطة العقارية القابضة تقدّم تحت قدميك وفي متناول يديك»، كتهكم على المشاريع الاستثمارية التي تستولي على الأملاك البحرية العامة، آخرها المشروع المزمع إقامته في منطقة الدالية. أما مارك بارود وساندرا داغر، فقاما بتوزيع مرايا داخل عمارتهما، ما خلق وهماً شيقاً في المنظور. وقدم المعماري نبيل غلام مجسماً لمبناه «بلاتينيوم تاور» المقابل لـ «فندق فينيسيا». في المقابل، قدمت ماريا غروب «مبنى عاماً أتوبياً لمدينة بيروت»، وأرزة لمنى الحلاق غيبة، بالإضافة إلى مشاركة آخرين كمروان رشماوي وشريف صحناوي ونديم كرم ونصري الصايغ مع أبراهام زيتون، وندى دبس... معظم تلك التصاميم تضعنا أمام إحتمالات لا تحصى يمكن صنعها من تلك القطعتين. وبما أنّ المدعوين لتصميم وتنفيذ تلك المجسمات بواسطة «أورباكرافت» من المعماريين والمصممين والفنانين المحترفين، ومعظمهم من العاملين أو الناشطين في مجال الهندسة المدينية، نلاحظ ذلك الوعي تجاه طرح تصاميم معمارية وهندسة مدينية معاصرة، وفي الوقت ذاته نقدية للواقع. لكن هل فعلاً «أورباكرافت» دفعتهم إلى ذلك التوجه أم أنّها خلفياتهم واهتماماتهم الشخصيّة بفارق النظر عما تقدمه أولاً «أورباكرافت»؟ يقول مخترعا اللعبة أنّهما يعتقدان بأنّ ««أورباكرافت» مثاليّة لجعل الجيل الجديد أكثر تحسساً بمدنيّته وبيئته ودوره في تحسينها». لكن المشارك الوحيد من الجيل الجديد في المعرض هو وليد مزنر ذو الخمس سنوات الذي صمم ونفّذ مع والدته المخرجة نادين لبكي «محطة أم وليد». إنه المجسم الوحيد الذي تزينه الألوان واستُعملت في تنفيذه أصابع شوكولا وحلويات. تظهر فيه بيوت صغيرة بسقوف قرميدية، وقطار ومحطة. مجسم يعيدنا إلى ما اعتاد الأطفال تصنيعه بواسطة أي لعبة تركيب أخرى أكانت «الليغو» التقليدية أم غيرها من الألعاب الأكثر تعقيداً. لكنّها هنا منفذة بواسطة «أورباكرافت». هل فعلاً «أورباكرافت» تطرح تحدياً مختلفاً أمام الجيل الجديد وتحثّه على التفكير أكثر في مدنيّته وبيئته ودوره في تحسينها؟ أم أنّها فقط لعبة تضاف إلى سلسلة ألعاب التركيب العالمية الأخرى، لكنها هذه المرّة لبنانية التصميم والتنفيذ؟
روي...

* «مساحات بيروت اللامتناهية»: حتى 5 تموز (يوليو) ــ «مركز بيروت للفن» BAC (كورنيش النهر) ـ للاستعلام: 01/397018
* تقام اليوم ورشة عمل تحت إشراف رين محفوظ وزياد حلواني بعنوان «هيا نحتل أورباكرافت» (من الساعة الثالثة حتى الخامسة). وسيبني المشاركون حيّاً صغيراً بواسطة «أورباكرافت»، ثم سيتخيلون مشاهد من حياتهم اليومية داخل هذا التصميم. وستلتقط كاميرا «نوماديم ستودي» لمحفوظ وحلواني هذه المشاهد.