
لكن هذا رأيه، وللناس في آرائهم معارج وأخاديد. ثم يصلح من شأنه، فيجنح إلى الاعتراف، أي ما يشفع له، ويرتدّ إلى الإيروتيكا، فيشيع أنها المصدر والينبوع الأعمق للكون والمشاعر. وهو في ذلك مصيبٌ، فعنده أن الإيروتيك هو «المصدر حيث البداية ولا نهاية، لكن ارتجاف وولادة ارتجاف يخفق في اللامحدود من الأفق الأضيق في العالم والأوسع من أي حنين لاهثاً ومحروماً وخائفاً أن يفقد موسيقى شفراته». فيا حول الله من جهاد يفيض بكرم الوجود على جسدين في جسد واحد، ولو قرأ جدّه الشيخ عارف الزين صاحب العرفان، لسان حال الفكر العاملي، ما سطّره جهاد عن مبدأ اللّذة الخارق الحارق في أسلوب مجازي مُغرق في التورية، لتبرّأ من حفيده!
في نثر جميل أخّاذ، يلحّ الزين على أن جسد الأنثى الحامل شكل فنّي من أسفل نهديها حتى أعلى ساقيها. ثم يمضي أبعد من ذلك، فيطرح أسئلة عن ميتافيزيق الشهوانيّة، فهناك تنفتح السماوات بلا حساب، وتسمّي النجوم فتوّتها الغرّ، وتحرّر المرءَ الذُّرى المقفلة في الغيم العَطِر، فللّه درّه من لغة نهائية المصدر حيث الانبهار يحلّق إلى إعصار سعيد بالكشف عن المكنون...
يذهله بيت شعر لرجل دين في جبل عامل يصف فيه قلعة الشقيف
إلى مقهى في بوسطن حيث لقاء فعناق، إلى القاهرة حيث عينا نوبيّة ساحرتان، إلى سرد قصة غرام شِبق حيث الجنس بكامل حرّيته ذات ليلة، وحيث جسد جميل عليه ترهّل التجارب مع بقاء الجاذبية.
يضفي جهاد رونقاً على نثره في قصائد عنونَها «ضفائر» بعضها شعر منثور، فيما بعضها الآخر نثر ساحر. في «أبجدية العشق»، بوح العمامة حيث رشّة السُّكّر في الشاي، وفي «جبل عامل» ارتحال إلى جبل يفضي لبكاء الطين فوق الحجر النائم في البيت القديم حيث المسقط الحنون. وفي فصل «قراءات»، يذهله بيت شعر لرجل دين في جبل عامل يصف فيه نهراً طائراً في الجوّ فوق قصر هو قلعة الشقيف:
«ما رأينا قبل هذا جدولاً
فوق قصر شامخ في الجو طار»، فيردّه جهاد إلى تيّار السوريالية كأنه لوحة لسلفادور دالي في القرن العشرين. وبيت الشعر للشيخ إبراهيم الحاريصي المدفون في تبنين.
نصل إلى إعجاب الزين باللحن والأُغنية واعتقاده أن الشّعر المُغنّى أهم من الغناء نفسه، فيرى أن القصيدة هي الملَكة والأداء الأساسي في مدى كفاءة المُغنّي على عرش القصيدة.
من جديد يطلع علينا جهاد الزين بما يُوحي ويثير، حيث الحواس مصدر الشهوة وإنْ هي إلّا متعة العيش.
* كاتب فلسطيني