تستضيف «غاليري آرت ديستريكت» في «بيت الصورة» (الجميزة) معرضاً فوتوغرافياً لماهر العطّار تحت عنوان «بيريتوس…مدينة مجيدة» يلجأ إلى أسلوب وتقنيات الـ Lomography التي ترتكز إلى استخدام الأفلام الخام الفضيّة القديمة المعدّة للتظهير فالطباعة، ومصدرها دول الاتحاد السوفياتي سابقاً. والهدف الفنيّ والجماليّ من اعتماد هذه التقنية هو المضي في اتجاه معاكس للتصوير الرقمي أو الديجيتال «كامل النقاء» بحسب تعبير الفنان، موضحاً أنّ «الصور الخام، سيئة الإطار، وخارج البؤرة المركّزة، وذات الدوائر السوداء في زوايا الكادر، وخلوّ الكاميرا من كثرة الوظائف المعدّة رقميّاً، تترك هامشاً واسعاً للمناورة من ناحيتَي التحميض والتظهير، ما يُتيح استكشاف مناطق لا تقدر عليها الكاميرات الحديثة». يُشير أيضاً إلى أنّ استخدام الشريط الخام التالِف ومكوّناته الكيميائيّة يمكّن العين من رؤية اللامتوقّع والمدهش، وهذا هو الأمر المثير بحسب ماهر العطّار.
لا تنجو الاعمال المباشرة من الوقوع في فخّ الكليشيه

فوتوغرافيّات العطّار ذات بُعد وتشكيلٍ دراميّين، وثمة ما يصل تجربته كمصوّر حربيّ بحبّه للعمارة في بيروت، خالقاً مناخات مسرحيّة داخل أيقونات معماريّة مهجورة «ومخردقة» بفعل الحرب مثل «بيت بيروت» وقصر سرسق الكبير في صوفر «كي أعيد بيريتوس إلى الحياة» يقول العطّار. فوتوغرافيّاته ذات الإصدار المحدود تصل إلى 14 صورة، وثلاث منها تحمل عناوين أقرب إلى الشعار المباشر مثل «الاستقلال» و«التنوّع» و«حمامة السلام». تسميات يسهل إدراجها في خانة الكليشيه ولا حاجة إليها أساساً!
في عام 1840، ابتُكرت طباعة الملح التي تُعالَج فيها النسخ «النيغاتيف» بأملاح الكلوريد الحسّاسة على الضوء (أي لدى تعرّضها للضوء)، ما يهب الصورة شكلاً معبّراً وخاماً خارج البؤرة، لتعكس نظرة العطّار إلى واقع بيروت الراهن والمُغرق في انعدام اليقين. ويرى أنّ «بين الثورة عام 2019 والانهيار الماليّ وكورونا وانفجار المرفأ والانتخابات الأخيرة، حان الوقت لعرض هذه الصور التي تجمع بيروت المنهكة إلى بيروت المجد»، فبيروت المدمّرة والمعاد بناؤها مراراً وتكراراً، ما فتئت تُقاوم وتُصارع من أجل البقاء. و«بيروتوس» هذه تتجسّد لدى العطّار في امرأة ترسل المعاني المتفرّقة من دمار وحرمان وهجرة...


استلهم العطّار تسمية معرضه من Roman Berytus عاصمة فينيقيا تحت الحكم الروماني. المرأة التي ترمز إلى بيريتوس ممزقة الرداء كأنّها في كفاح هائل يرمز إلى كفاح بيروت المعاصرة رغم المشقات والأوجاع. بحث العطار عن أبنية مهجورة في المدينة ضمن المنطقة التي كانت تعرف بـ «الخط الأخضر» أي بين شرق بيروت وغربها. يقول: «أتنفس المكان، أشمّه، ألمسه وأشعر به بحواسي كافة». وفضلاً عن بيروت، التقط فوتوغرافيته «حمامة السلام» خارج المدينة، في القصر الكبير المصمّم بالطراز الباروكي في صوفر ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1892. وقد التقط العديد من الفوتوغرافيات في «بيت بيروت» المعروف سابقاً بمبنى بركات ويعود إلى عام 1924، وصُنّف مبنى تراثياً وحُوّل إلى معلم ثقافي وأثر دال على ما فعلته الحرب، إذ تنطق جدرانه «المخردقة» والمليئة بالثقوب من رصاص القناصة التي حفرت ندوباً في جدرانه.
ماهر العطار معروف كمصوّر فوتوغرافي، التقط صوراً لقادة ومشاهير عالميين ونال جوائز عديدة.
صور ذات بُعد وتشكيلٍ دراميّين التُقطت داخل فضاءات معماريّة مهجورة

أمضى معظم سنواته المهنية في باريس، ولم يكن يتوقع لدى عودته في 2016 أن تعترضه عقبات متتالية، من «ثورة» 2019 إلى الانهيار المالي الذي ترافق مع تفشّي كورونا، وصولاً إلى الذروة مع انفجار 4 آب الذي دمّر، في ما دمّر، الغاليري حيث معرضه القائم اليوم في منطقة الجميزة، مع الإشارة إلى أنه هو القيّم على الغاليري التي فتحت أبوابها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 لتُسهم في إعادة إحياء المشهد الفني والثقافي في بيروت زمن المحنة. يكشف العطّار: «لطالما حلمت بمكان فريد يستطيع فيه عاشق التصوير الفوتوغرافي وهواة جمع الأعمال الفوتوغرافية الاستمتاع بنشاط الغاليري وتصفّح مجموعة كتب عن هذا الفن من سائر أنحاء العالم بلغات متعددة. أنشأتُ في المكان أيضاً استوديو يُتيح لي استخدام التقنية التناظرية والتصوير اللوموغرافيّ (Lomography) وتطبيق تقنيات التصوير القديمة التقليديّة التي تذكّر بالصور الرائدة لهذا الفّن مثل الـ Daguerreotypes، ما يسمح باعتماد التآلف والمكوّنات الكيميائيّة على نحو يتجاوز ما يسع العين رؤيته من مدهش ومثير وغير متوقّع بالنسبة إليه. يقول: «هدفي هو تعزيز مكانة التصوير الفوتوغرافيّ والفنون الجميلة في لبنان».

* «بيريتوس... مدينة مجيدة»: حتى نهاية حزيران (يونيو) ـــ «آرت ديستريكت» (بيت الصورة ــــ الجميزة) ـ للاستعلام:81/680069