نكاد نتعوّد حالة التعميم التي تنتشر في المواقع الإخبارية وغير الإخبارية، مهما تفاوتت المكانة المهنية في ما بينها: تعميم جرائم وظواهر اجتماعية على فئات واثنيات وجنسيات محددة. هكذا، رأينا الإعلام يعمّم صفة الدعارة على اللاجئات السوريات في لبنان، وقبلاً كانت (وما زالت) نساء أوروبا الشرقية، والجنس يستكمل مساره مع الخليجيين الآتين الى لبنان، وتحديداً السعوديين والسياحة الجنسية. ومن الجنس الى التفجيرات الإرهابية، التي ضربت وتضرب الأراضي اللبنانية وظاهرة الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم بالمدنيين والعزّل.
انتحاريون اتضح من خلال التدقيق في هوياتهم أنّهم في عمر الشباب، متوزعون على جنسيات لبنانية وعربية مختلفة. وآخر هذه الحوادث واقعة «فندق دو روي» (الروشة - بيروت) أول من أمس، حين فجرّ انتحاري سعودي نفسه (عبد الرحمن الشنيفي)، تلاه القبض على انتحاري سعودي آخر (علي بن ابراهيم بن علي الثويني). لا شك في أنّ هذه الحادثة كانت على مستوى عال من الحرفية، وتعدّ من العمليات الأمنية الاستباقية التي أمكن بفضلها تجنب إزهاق المزيد من الأرواح. لكن هذه العملية على أهميتها، أوقعت الإعلام المحلي والعربي في حيرة وبلبلة كبيرتين. للمرة الأولى، كان الانتحاريان من الجنسية السعودية، وطبعاً لهذه المعلومة مسؤولية في حال «التسرع» في البوح بها، وخصوصاً لدى القنوات التي تتقاطع مصالحها الاقتصادية والسياسية معها. لم تسارع بعض القنوات كما جرت العادة إلى تعميم الإرهاب على جنسيات ألفت هذه «الشماعة» على صدرها كالسوري والفلسطيني. تروت هذه القنوات (يا للعجب) في ايراد خبر أنّ الانتحاري سعودي، وراحت تميّع المعلومات بهدف التعتيم والتورية.
المبادرة الأولى أتت من «الوكالة الوطنية للإعلام»، التي نشرت بعد التفجير خبر اتصالها بالسفارة السعودية، التي أكدّت أنها تنسق مع السلطات اللبنانية «للتأكد من أنّ الانتحاري سعودي، خوفاً من أن تكون الهوية مزورة»، وأخذت تتناقلها وسائل الإعلام تباعاً. وقبلها، ثابرت «المستقبل»، التي كانت أول قناة نزلت الى ميدان الحادثة لقربها من المكان، الى ايراد أنّ «الانتحاري» من «جنسية عربية»، ثم راحت تباعاً تنشر أخبار السفارة والسفير السعودي علي عواض العسيري، إذ نقلت عنه في حديثه لصحيفة «الشرق الأوسط» رفضه الجزم بهوية الانتحاريين وتأكيده أنّ «المملكة «اكتوت بنار الإرهاب»، وتحاربه بينما جاهرت باقي القنوات بجنسيته، أبرزها طبعاً otv.
وفي وقت لاحق، شمّرت «العربية» عن سواعدها، وأعلنت ما سمتها «مصادر» أن «الشاب السعودي مطلوب من قلب الأمن السعودي، وقد غادر أراضي المملكة في العاشر من آذار (مارس) الماضي». في السياق عينه، كان خبر «الجزيرة» يثير الضحك، لأنّه غيب تماماً جنسية الانتحاري الذي وضعت مصطلحه بين مزدوجين (تجنباً للتبني)، وأطلقت عليه صفات مختلفة كـ «انتحاري» (بصيغة النكرة)، و«المهاجم»، لتنقل في ما بعد عن المسؤولين اللبنانيين قولهم إنّ الانتحاريين سعوديان.
هذا في الإعلام. أما على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد بدا المشهد فاقعاً بالاتجاه المعاكس. هذه المرة، علا منسوب النكات العنصرية على السعوديين الى درجة مقيتة، طاولت شعباً بأكمله من حيث الأحكام الأخلاقية والإنسانية. مشهد يذكّرنا أيضاً بالنكات ضد الشعبين السوري والفلسطيني.