يخوض الزميل خليل صويلح في روايته «جنة البرابرة» (دار العين ـ القاهرة) اختباراً سردياً لافتاً عبر اعتماد كتابة اليوميات كتقنية سردية مقترحة، تكاد تلغي المسافة بين الكاتب والراوي. بسبب طبيعة النص الذي يعاين اللحظة السورية الراهنة، ثمة مغامرة أخرى تتعلق بإمكانية خلق مناخ غرائبي في واقع كابوسي مفزع ينطق بالدم ويهدد افق التخييل. لكن صويلح المولع بالألعاب السردية وبالرواية التي تعتمد على الكولاج، قرّر كالعادة اللجوء لتراثه السردي بالمعنى العالمي ومحاورته. يخوض الزميل خليل صويلح في روايته «جنة البرابرة» (دار العين ـ القاهرة) اختباراً سردياً لافتاً عبر اعتماد كتابة اليوميات كتقنية سردية مقترحة، تكاد تلغي المسافة بين الكاتب والراوي. بسبب طبيعة النص الذي يعاين اللحظة السورية الراهنة، ثمة مغامرة أخرى تتعلق بإمكانية خلق مناخ غرائبي في واقع كابوسي مفزع ينطق بالدم ويهدد افق التخييل. لكن صويلح المولع بالألعاب السردية وبالرواية التي تعتمد على الكولاج، قرّر كالعادة اللجوء لتراثه السردي بالمعنى العالمي ومحاورته. بدا كمن يرتق الزمن في سرديات تاريخية، تناولت خراب دمشق عبر العصور، وظلت من وجهة نظره ناقصة وتحتاج لمن يكملها ويستطيع النفاذ منها الى مأزق اللحظة الراهنة وخرابها، منحازاً الى ما سمّاه «سرديات الشهود» ومنشغلاً في اعادة اكتشاف هوية ممزقة...

هوية لم تخضع لاختبار قاس كالذي تواجهه اليوم.
التشظي هي الكلمة المفتاح في التعاطي مع النص الذي يشبه لوحة «بازل» كبيرة قام الكاتب بفكها وتركيبها عشرات المرات، واطمأنّ الى أنّها في أفضل الاحتمالات كتابة تقوم على التركيب، وهاجسها الأساسي هو التجاور بين نصوص يلعب فيها دور الشاهد، ولحظات أخرى تلبسه روح المتأمل الذي يوسّع زواية النظر. وفي نصه يحضر عشرات الشهود من ازمنة وأمكنة مختلفة حيث يمكن له أن يجاور بين سعد الله ونوس وعمر أميرلاي ومحمد ملص ويوسف عبدلكي ويوسا وصالح علماني وآخرين متتبعاً سيرة الزوال، ساخراً من الموت الذي يفرض ظله على النص كبناية شاهقة وسط أبنية مهدمة ومهجورة، ومتأملاً عبارة الكاتب الجنوب الأفريقي ج. م. كويتزي الذي كتب «البرابرة وحدهم من يضفي على المكان سطوة أقوى». بخلاف لغة الكاتب التي توازن بين لغة التقرير ولغة الوصف من دون أن تتورط في بلاغة مجانية أو يورطها المجاز في كتابة مرثية للمدينة، فما يعطي للرواية ألقها أنّ كاتبها مولع بحواسه التي تحكم رؤيته للعالم. يراوح الراوي بين دور المؤرخ ودور الانثروبولوجي، وكلاهما يحتاج الى مواد أرشيفية من معارف ومصادر مختلفة تعين على ابتكار حقيقة يمكنها الصمود الى جوار حقائق أخرى.

لا تنشغل الرواية بموقف مما يجري في سوريا رغم سخريتها من نموذج المثقف
لا يحرم هذا الولع بالأرشيف الكاتب من استعمال حس سيروري بارز يجعل تفاصيل الحياة اليومية عمود الارتكاز الرئيس في النص المهووس صاحبه بترويض الضجر وابتكار حيل لعبور المتاهات. ويلتفت كذلك الى كل ما هو هش، ويعطي نبضه للأزمنة الضالة واللحظات غير المكتملة. خلف كل جثة ثمة فعل حياة لم يكتمل. يقود الراوي جملة من الافتراضات التي تجعل الحياة الافتراضية سرديةً موازيةً تنهض بمهمة استكمال الحياة واختراعها. الخيار الذي يعتمده النص هو مواجهة الموت بخيار الكتابة التي لا تنهض فقط بمهمة الشهادة لكنها تنشغل بالمستقبل بسبب سعيها إلى فحص الروايات وفض الاشتباك بين الرواة واختراع مدينة اخرى كبديل من المدينة المخربة. المدينة التي يمكن لانشغالات الجسد أن تجد فيها مكاناً للتشبّث ببقايا حياة وسط فوضى الحرب، بتجربة تفر الى المجهول في وقت مستقطع من الموت المؤجل.
لا تنشغل الرواية بموقف مما يجري في سوريا، رغم سخريتها من نموذج المثقف لأنّ ما يعني كاتبها هو الخراب الذي آلت اليه الاوضاع. باتت بلاداً ممزقة تستدعي انشاء متحف افتراضي بقصد تجميعها في خريطة واحدة. إنّه الانزلاق لما يسميه «سجادة الظلام» ولعبة المنافي والحنين الأوطان المتخيلة. وتبعاً لذلك، يسخر الخطاب العام للرواية من المعاني المكتملة والسرديات الكبرى، وينحاز للأشياء البسيطة، ويراها صالحة لاكتشاف الدهشة رغم وليمة القتل الباذخة والأصوات التي تحملها أوركسترا الحرب.