لا تشير الوضعية التي اغتيلت فيها شيرين أبو عاقلة، إلى فرضية غير الاستهداف المتعمد والمباشر، إذ ظهرت برفقة زميلها علي السمودي وشذا حنايشة، وقد احتموا بحائط إسمنتي، وهم يلبسون معدات السلامة المهنية، قبل أن يداهمهم رصاص قناص. الرصاصة الأولى أصابت ظهر السمودي. حينها صرخت أبو عاقلة مطالبة المساعدة في إسعاف زميلها، قبل أن تصاب برصاصة اخترقت رأسها، في منطقة ما خلف الأذن. وفقاً لتقرير معهد الطب العدلي، فإن أبو عاقلة أصيبت برصاصة متفجرة في الرأس، تسبّبت في مقتلها على الفور. وبحسب شهادة السمودي، فإنه في قرابة الساعة السادسة من صباح أمس، كانت أبو عاقلة برفقة سبعة من زملائها يغطون اقتحاماً إسرائيلياً لمخيم جنين، حيث يحاصر الجيش الإسرائيلي منزلاً لعائلة الحصري. حاولت أبو عاقلة الوصول إلى المنزل، وكانوا يرتدون الخوذ ودروع الصحافة. تعمدوا السير من أمام الجنود الإسرائيليين، حتى يحددوا هويتهم ويتجنبوا إطلاق الرصاص عليهم، لكن بعد «المشي أمتاراً عدة، أطلق الجيش الإسرائيلي رصاصة واحدة لم تصب أياً منّا، ولكن الرصاصة الثانية أصابتني في ظهري، فيما أصابت الثالثة الزميلة شيرين أبو عاقلة في رأسها». وأردف: «تم نقلنا إلى المستشفى حيث اتضح أن الرصاصة التي أصابتني، دخلت من الظهر وخرجت ونجوت من الموت بأعجوبة». ويفند السمودي رواية الاحتلال بأن تكون مراسلة «الجزيرة» قد أصيبت برصاص مقاومين فلسطينيين، قائلاً في حديثه إلى الإعلام: «هذا كذب وعار عن الصحة. الجيش الإسرائيلي هو الذي أطلق النار علينا، ولم يكن هناك مسلّحون في المنطقة... أنا متأكد من ذلك».
يعيد اغتيال أبو عاقلة التذكير بتاريخ طويل من استهداف الصحافيين الفلسطينيين من دون مراعاة للقوانين الدولية التي تضمن حماية الصحافيين في أوقات النزاعات والحروب.
وفقاً للجنة دعم الصحافيين الفلسطينيين، تجاوز عدد الصحافيين الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 الـ 46 صحافياً، قضى معظمهم في عمليات اغتيال مباشرة.
في تموز (يوليو) 2008، قصفت دبابة إسرائيلية مصور وكالة «رويترز» فضل شناعة، أثناء تغطيته توغلاً إسرائيلياً في منطقة جحر الديك شرق غزة، رغم أن السيارة مميزة بإشارات الصحافة. وعقب ذلك، برأت المحكمة الإسرائيلية فريق الدبابة التي نفذت عملية الاغتيال، كما لم تقم «رويترز» بأي إجراءات حقوقية لمحاكمة الاحتلال.
حرب 2014، شهدت أكبر عميلة اغتيال ممنهج للصحافيين. إذ استشهد 17 ما بين قصف المباشر، أو اغتيال داخل منازلهم، أولهم حامد شهاب، الذي قُصفت سيارته في حيّ الرمال وسط مدينة غزة، أثناء نقله طاقم وكالة «ميديا 24» إلى «مستشفى الشفاء» غرب مدينة غزة، رغم أن سيارته تحمل شارة الصحافة.
في الحرب نفسها، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مصور وكالة «كونتينيو» خالد حمد، أثناء تغطيته الاجتياح البري لحي الشجاعية شرق غزة. إلى جانب حمد وشهاب، قتلت الطائرات الإسرائيلية بالاستهداف المباشر كلاً من الصحافيين: رامي ريان، وشادي عياد، وحمادة مقاط، وعلي أبو عفش، وعبدالله مرتجى، ومحمد الديري وبهاء الغريب، إضافة إلى المصور الإيطالي في وكالة «أسوشيتد برس» سيموني كاميلي. كما قصفت قوات الاحتلال خلال الحرب ستة صحافيين أثناء وجودهم في منازلهم، ما أدى إلى استشهادهم وعدد من أفراد عائلاتهم.
وفي مسيرات العودة الكبرى عام 2018، نفذ القناصة الإسرائيليون السيناريو نفسه الذي شهده مخيم جنين أمس، إذ أطلقوا النار على الشهيدين ياسر مرتجى، وأحمد أبو حسين، أثناء تغطيتهما المسيرات الشعبية على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
بالعودة إلى حادثة اغتيال أبو عاقلة، قدّر الصحافي علي السمودي، بأن الاحتلال أراد من اغتيال اسم لامع كأبو عاقلة، ترهيب الصحافيين، خصوصاً أنه يتجهز لعملية عسكرية كبيرة ضد مخيم جنين والبلدات المحيطة، ولا يريد للتغطية الصحافية أن تكون عامل استنهاض للشارع الفلسطيني في الضفة، مما قد يسهم في زيادة توتير الشارع.
نفذ القناصة في 2018 السيناريو نفسه الذي شهده مخيم جنين


في السياق نفسه، رفعت «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» و«الاتحاد الدولي للصحافيين» و«المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين» دعوى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن استهداف الاحتلال الإسرائيلي الممنهج للصحافيين الفلسطينيين. وبحسب وكالة «وفا» الرسمية، تسلم مكتب المدعي العام للجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية، دعوى رسمية تتعلق بجرائم الاحتلال ضد الصحافيين. علماً أن الدعوى، قدمت نيابة عن أربعة صحافيين استشهدوا على يد قناصة الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتهم تظاهرات ضد الاحتلال. وتعرض الدعوى تفاصيل استهداف وسائل الإعلام وتفجير برجين يضمان مكاتب إعلامية في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي في أيار (مايو) الماضي. وكان مكتب المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية قد أعلن في آذار (مارس) من العام الماضي فتح تحقيق رسمي بجرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.