يأتي العازف الفرنسي ألان هوتو مع آلته الفيبرافون الى بيروت، لمشاركة عازفة البيانو والمؤلفة الموسيقية جويل خوري أمسيتين اليوم وغداً ضمن عمل يمتاز بالفرادة و«التجريب» على صعيد الجاز والموسيقى المعاصرة. ما سيسمعه الجمهور هو «حوارات موسيقية» تعزف للمرة الأولى عبر عدد من مقطوعات الجاز من تأليف جويل، وقد أُدخلت تعديلات على مضمون بعضها لتتناسب مع الـ Vibraphone.
ترى خوري أنّها تتحدى نفسها «في سابقة على صعيد الموسيقى المعاصرة في لبنان»، وستعزف مع ألان ــ المعروف في مجال الكلاسيك فقط ــ مقطوعات لمؤلفين عالميين تلعب للمرة الأولى أيضاً، مع تسجيل مفاجأة تتمثّل في إدخال عنصر التسجيل الصوتي المترافق مع العزف الحي.
لا تخفي جويل خشيتها من التعامل الأول مع ألان على صعيد الموسيقى المعاصرة والجاز. الفنان الذي يدرّس الإيقاعات في الكونسرفاتوار في «سيرجي ـ بونتواز» في فرنسا، زار لبنان مراراً، وقدّم محاضرات في «الجامعة الأنطونية» و«المعهد العالي للموسيقى»، وعزف في أمسية لثلاثة مؤلفين فرنسيين وثلاثة لبنانيين (من بينهم جويل وأحد تلاميذها)، لكن برغم صداقتهما وتبادل الزيارات الموسيقية بينهما، لم يسبق لها أن تعاونت معه في الجاز أو الموسيقى المعاصرة.
الأمسية الأولى التي تقام الليلة في «قاعة بيار أبو خاطر» (الجامعة اليسوعية)، مخصصة لمقطوعات الجاز التي كتبتها جويل، وقد عدلّت فيها، وأضافت ما هو مخصّص للفيبرافون. وهذه هي الإضافة الجديدة التي تعطيها الى أعمالها التي كُتبت في السابق. تراهن جويل على الكتابة المتقنة لهذه المقطوعات وقراءتها. تقول لنا: «هناك كتابة متقنة. أما الارتجال، فهو جزء صغير مما سنقوم به أنا وألان». وتشير إلى أنّه يرافقها الليلة أيضاً جيريمي تشابمان على الساكسوفون، وموريس خوري على الباص، ووليد طويل على الدرامز.

يرافقها الليلة جيريمي تشابمان
على الساكسوفون، وموريس خوري على الباص، ووليد طويل على الدرامز


«مقطوعة لتاكايوشي، لم أعزفها أو حتى أسمعها من قبل، سألعبها أنا وألان» تقول جويل مفصلةً طابع الأمسية الثانية التي تقيمها غداً في مبنى «ويست هول» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، تحت عنوان «موسيقى معاصرة». في هذا اللقاء، تقدم المؤلفة ثلاث مقطوعات بيانو صولو للمؤلف وعازف البيانو الهنغاري بيلا بارتوك، وأخذت مقطوعتين أيضاً للأرجنيتيني ألبرتو غيناستيرا، كُتبتا للبيانو، وقد كتبت فوقهما variation للساكسوفون، البيانو، والفيبرافون. هذه الآلات تمثّل محور أمسية الجامعة الأميركية، فيما لن تتخطى المقطوعات الدقيقة ونصف الدقيقة.
لا تخشى جويل خوري المغامرة في الموسيقى، متكلةً على براعتها في التأليف والعزف، وخبرتها الطويلة. تتعامل بعفوية مع الجمهور. وفي ظل كل هذا التشويش السمعي والموسيقى الهابطة، لم تعد مقتنعة بجلوسها خلف البيانو خلال حفلاتها. راحت تعرّف الحاضرين إلى الآلات الموسيقية ونوع الموسيقى وتاريخها وغيرها من الأمور التي تعدّ أساساً في اشراك الجمهور في روحية ما يقدّم، «ويكفي أن نتحدث مع الجمهور قليلاً، لينفتح على أشياء قد لا يتقبّلها إن لم يبن هذه العلاقة معها».
جهدت جويل طويلاً حتى نجحت في خلق مساحة من التفاعل مع الناس خلال الأمسيات. منذ ثلاث سنوات، تواظب خوري على تقديم أمسيات ومحاضرات في «مكتبة مونو» في محاولة منها لدفع الجمهور للتفكير بطريقة جديدة «حول الموسيقى وحول أنفسهم». هنا يتكشف لنا الجانب الحيوي في هذه الفنانة، فهذه المبادرة لا تطاول فئات محددة أو محصورة، بل العامة التي يجمعها تعطشها للموسيقى والفنون. باتت خوري تطور اسلوب عرضها بعد تجارب عدة. تُدخل في كل مرة عناصر جديدة بصرية وسمعية، وتستعين أيضاً بخبرات الأصدقاء والمهتمين. ما يعطيها الدفع للتطوّع والالتزام بهذه الأمسيات هو «المحبة والاحساس الذي أشعر به بعد انتهاء كل جلسة».
تدرّس جويل خوري البيانو في «المعهد العالي للموسيقى»، ودورها الاضافي فيه يتمثل في توليها تنظيم عدد من حفلات المعهد، وتعمل حالياً في قسم التأليف الذي افتتح هذا العام، لكن «لم ينضج بعد بسبب وجود نواقص كثيرة في المكتبة الموسيقية، والتسجيلات، والأبحاث... كل واحد منا يعمل بحسب قدرته، وبما هو متوافر». أيضاً، تدرّس خوري في «الجامعة الأميركية في بيروت» مادة «نظرة عامة إلى الموسيقى الغربية»، وهي عبارة عن خليط بين الموسيقى وعلم النفس والفلسفة والرسم والشعر. هي تحبّ كثيراً التعامل مع الفئات العمرية الشابة، وخصوصاً أنّ هؤلاء الشباب «لا يعرفون الكثير عن الفنون والأداب، لكنّهم اختاروا هذه المادة بارادتهم». وفي تحديها الدائم لنفسها، بدأت هذا العام بتدريس المادة نفسها في «الجامعة اليسوعية»، الا أنها ستتعامل مع فئات عمرية متفاوتة وكبيرة نسبياً.
الأفكار الموسيقية الجديدة والفريدة والمبتكرة لا حدود لها عند جويل خوري. تعمل حالياً على «ثاني أكبر مشروع في حياتي»، كما تصفه وستقدمه في أول تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. المشروع عبارة عن أمسية موسيقية على البيانو يرافقها عرض رقص وتقديم فيلم أنجزته خوري، يستلهمان مادتهما من حياة عدد من الفنانات والمبدعات اللواتي انتحرن عبر التاريخ، أو أدمنّ الكحول، أو دخلن الى مستشفى الأمراض العقلية، مثل مارغريت دوراس.



* أمسية «جاز»: 20:00 مساء اليوم ــ «قاعة بيار أبو خاطر» (الجامعة اليسوعية)،
* أمسية «موسيقى معاصرة»: 19:00 مساء الغد ــ «ويست هول» (الجامعة الأميركية في بيروت) ــ الدخول مجاني