منذ انطلاقته في أوائل شهر شباط (فبراير) الماضي، و«برنامجك» (mtv) يخطّ مساراً مختلفاً عن باقي البرامج الانتخابية المعتادة. البرنامج الذي يقوم على استضافة مرشحين، كلٌّ على حدة، وإعطاء كل منهما مساحة ترويجية للإجابة على مجموعة طروحات تتعلق بالسياسة والاقتصاد والحريات والفنون، ليصار بعدها إلى نشر هذه الإجابات أو التصويت عليها إلكترونياً، خرجت أجندته السياسية باكراً. أجندة تكمن في اللعبة المنسوجة داخل هذه الطروحات وطريقة توجيهها، عدا انتقاء الضيوف/ المرشحين الذين يندرج أغلبهم ضمن الخط السياسي الواحد. إلى جانب ذلك، أطلقت المحطة برنامجاً آخر موازياً بعنوان «صوّت لبرنامجك» مَهمته تحليل إجابات هؤلاء الضيوف وتقديمها للناخب مع مجموعة خبراء وسياسيين، لم يأت انتقاؤهم بريئاً!
تزوير في العينة التمثيلية للضيوف وتعميم نتائجها على الناخب

هكذا، وبجردة سريعة، تتالى أمامنا الحلقات التي استضافت أكثر من ستين مرشحاً/ ة، بعدما تحوّل «برنامجك» في بداية الشهر الحالي إلى برنامج يومي. جلّ هؤلاء من أطياف سياسية واحدة، تناصر سياسات الخصخصة، وتقدم التبريرات لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة. عُمل على تصنيع إجاباتهم عن طريق توجيه الطروحات في ما خصّ خيارات لبنان في «الحياد»، والمقاومة، و«حصر السلاح»، والتطبيع، وإقالة سلامة. على سبيل المثال، يطرح البرنامج على ضيوفه بشكل ثابت «دور حزب الله في سوريا عزل لبنان عربياً»، ويعقبه بطرح آخر حول «حصر السلاح بالمؤسسات الشرعية أساس قيام الدولة». وفي قضية التطبيع، يصيغ البرنامج الطرح على شاكلة جواب مبطّن للضيف، كالقول «مقاطعة نشاطات دولية بسبب وجود إسرائيل غير مبرّر».
ضيوف منحازون وطروحات معلّبة ومطهوّة في مطبخ القناة

هذه الطروحات وغيرها من المحاور الثابتة في البرنامج التي تروّج للفيدرالية أو اللامركزية الإدارية، ولإنشاء مطار ثانٍ موازٍ لمطار بيروت «لمنع التهريب وتصدير الكبتاغون» ولوقف «سيطرة حزب الله عليه»، وأيضاً للخصخصة وضرب القطاع العام، تحت عناوين الإصلاح... كل هذه المحاور الموجهة، مع ضيوف معروفة سلفاً إجاباتهم وتوجهاتهم السياسية، وُضعت في سلة واحدة، وتسلّمها برنامج «صوّت لبرنامجك»، الذي يتعاون مع «مؤسسة سمير قصير» لإعطاء مساحة أسبوعية (كل نهار أحد) تحليلية لهذه الإجابات، مع مجموعة محللين في السياسة والاقتصاد، كالباحثة منى فياض، ومستشار mtv، للشؤون السياسية والاقتصادية سامي نادر، إلى جانب الأكاديمي هشام بو ناصيف. و«للمصادفة» أن جلّ هؤلاء يندرجون ضمن خط سياسي واحد، يروّج لنظرية «الحياد»، والهجوم على «حزب الله» من بوابة «تعكيره» العلاقات الخليجية اللبنانية. هؤلاء وغيرهم الموكلون بتحليل بيانات الضيوف المنحازة أصلاً والمطهوّة في مطبخ mtv، يُفترض أن يتمتعوا بمساحة موضوعية بعيدة عن التسييس. كنا أمام برنامج يضع أرقاماً عالية أمام هؤلاء للتحليل. أرقام تؤيد نزع سلاح المقاومة، أو «تحييد» لبنان عن محيطه و«إبعاده عن صراعات المنطقة»، وتروّج «لتطبيق القرارات الدولية»، للإيحاء للمشاهد أو الناخب بأن هذه الخيارات هي الصائبة والأكثر تأييداً من الضيوف وأيضاً من المحللين! وهنا، تكمن الخطورة، في تصنيع الإجابات والمحاور، وأيضاً في تثبيتها عبر لغة الأرقام والإحصاء المزوَّرة أصلاً والمسلوخة عن أي عينة تمثيلية تستطيع من خلالها تعميم هذه الأحكام والاتّكاء عليها كلغة علمية.
في المحصّلة، تحاول mtv، ومن خلال خيار التصويت و«الديمقراطية» تغليف أجندتها السياسية، مع ضيوفها ومحلّليها أيضاً، ضمن لعبة خادعة تُقصي باقي الآراء التي تخصّ محاور حساسة وجوهرية في البلاد، إلى جانب تضليل المشاهد أو الناخب، عبر استخدام لغة الأرقام التي تُخفي تحتها تزويراً واضحاً في تنوّع المواقف.