بمذكّراته المتحرّكة، لم يبحث ريتشارد لينكليتر عن المشاعر في الإيماءات والأحداث الصغيرة فحسب، بل أيضاً عن مشاعر طفولته كلّها. في هذا الكاتالوغ المتحرّك، يُعيد المخرج تركيب سنوات طفولته في هيوستن مع عائلته، ويعرّفنا كيف كان يقضي أيامه عندما كان يبلغ تسع سنوات، كما إلى الثقافة الشعبية السائدة آنذاك. يتذكر كيف كان، في تلك السنوات في تكساس، محاطاً بما كان يُعتقد أنّه بداية التطوّر التكنولوجي الذي سيجعلنا قريباً نعيش على المريخ. نعم، هبوط الإنسان على سطح القمر عام 1969. «أبولو 10 ½: طفولة في عصر الفضاء» (2022) قنبلة من الماضي، تحتفل بعام 1969 وبالأطفال الذين عايشوا تلك الحقبة.

اشتهر لينكليتر، مخرج Before Trilogy بأفلامه الحميمة التي يحتدم فيها الحنين إلى الماضي. مع ذلك، نعرف مدى شمولية هذا المخرج الذي صوّر فيلم BoyHood على مدى 12 عاماً. في فيلمه الجديد Apollo 10 ½: A Space Age Childhood، يرسم ببراعة لحظات ذاكرته الصغيرة العاطفية التي يستحوذ عليها تحوّل تاريخي وتكنولوجي ضخم. يحكي الشريط قصة أول هبوط على سطح القمر في صيف 1969 من وجهتَي نظر: وجهة نظر «ناسا»، وتلك الخاصة بطفل من هيوستن لديه أحلامه الخاصة بين المجرّات. يستمد لينكليتر الإلهام من طفولته، ليقدّم لمحةً عن الحياة في أميركا الستينيات. وُلد لينكليتر عام 1960، ما يجعله في عمر ستان (ميلو كوي). لذلك الفيلم هو سيرة ذاتية، مبنية على أحلام وذاكرة وأحداث حقيقية. يروي الفيلم قصة ستان في سنوات السباق الفضائي بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، كما تفاصيل حياته اليومية: عائلته، جيرانه، موسيقى ذلك الوقت، السينما، خصوصاً أفلام الخيال العلمي، والثقافة الشعبية، والبرامج التلفزيونية، والألعاب، والمدرسة، وأيضاً القضايا السياسية، وحرب فيتنام، وحركة الحقوق المدنية التي بلغت ذروة نضالها في الستينيات. بالإضافة إلى ذلك، يحتفظ ستان بسرّ: لقد تمّ إرساله إلى القمر قبل أشهر من مهمة «أبولو 11»، في مكوك فضائي صغير صُمِّم بالخطأ واستُعمل للتحقّق من أنّ كلّ شيء يعمل بشكل جيد. بهذه الطريقة، ينتقل الفيلم بين واقع حياة ستان وبين خياله، وتصبح الحواجز بين هذين العالمين غير محسوسة... بمناخات تُشبه الأحلام.
يقدّم لمحةً ثقافية وسياسية عن الحياة في أميركا الستينيات


الوقت والذاكرة والنوستالجيا تيمات أساسية في أفلام لينكليتر، وفيلمه الجديد يجمع كلّ ذلك، بالإضافة إلى العودة إلى الرسوم المتحرّكة. «أبولو 10 ½: طفولة في عصر الفضاء» قصّة مسلّية مليئة بالحنين إلى الماضي، تذكير جميل بمعنى أن تكون طفلاً، تمّ إنجازها بشكل خيالي على طريقة لينكليتر الرومانسية. أراد المخرج أن يكون كلّ شيء كالحلم، واستخدم في الفيلم الرسوم المتحرّكة ليجعل الخيال والواقع حالمين. صوّر كلّ شيء بطريقة الريتروسكوب، بمعنى أنّه تمّ تصوير المشاهد على خلفيّة خضراء قبل إعادة رسمها. ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها لينكليتر هذه التقنية، فعلها مرتين في Waking Life وA Scanner Darkly. وبفضل هذا الأسلوب، فإنّ الشخصيات والحركة لا تصبح مجرّدة لأنّ الواقع أمامنا طوال الوقت، فيصبح الفيلم كأنه حقيقي، بينما يلوّنه عقل الطفل بألوان زاهية وحيوية. والصور يمكن التعرّف عليها جيداً، لكنّ دقّتها ليست عالية إلى حدّ ما، لأنّ ما نشاهده هو ذاكرة أو حلم. هذا ما يساعد الفيلم ويساعدنا على الانغماس في جوّ من الشوق والحنين... شيء يذكّرنا بطفولتنا ولو كانت مختلفة.

* Apollo 10 ½: A Space Age Childhood على نتفليكس