تاريخياً، بنت الدراما السورية مجدها على الكوميديا، سواء في ما قدّمته من أعمال بجهود جماعية، أو ما لمع منها من كركترات خالدة، نجح أصحابها في حفر شخصياتهم وأسمائها بماء الذهب في وجدان المشاهد العربي! القصة قديمة إذاً، ربما تكون بداياتها مع «مسرح الشوك» و«الكباريه السياسي» اللذين يُعد دريد لحّام واحداً من روادهما وأحد مؤسّسيهما. جاء ذلك عشية النكسة وما تلاها من وقائع سورية متردّية أفسحت الطريق أمام خلق مادة درامية تنهل من الواقع وتصوغ منه مفردات نقدية ساخرة، تكون قوام مواد كوميدية متماسكة. لاحقاً، تحوّلت الأفكار المسرحية إلى مشاريع تلفزيونية واستمرت طويلاً منها «مرايا» و«بقعة ضوء». لكنّ السنوات الماضية كانت بمثابة استراحة طويلة، لم نشهد فيها أي عمل سوري كوميدي استطاع أن يترك بصمته بعمق كما اعتادت المواسم الرمضانية السابقة أن تفعل. لكن في هذا الموسم، يبدو أن انتعاشةً كوميديةً في طريقها نحو الشاشة أولاً مع عودة سلسلة «بقعة ضوء» بجزئها الـ 15 (مجموعة كتاب ومجموعة مخرجين ـــ بطولة أيمن رضا، شكران مرتجى، أحمد الأحمد، جمال العلي، محمد خير الجرّاح، فايز قزق، نانسي خوري، غادة بشور، مازن عباس، باسل حيدر، غسان عزب، محمد خاوندي وعبير شمس الدين ــ إنتاج «سما الفن» ــ تلفزيون «سما»، «سوريا دراما»). كالعادة، يقدم العمل لوحات ناقدة ساخرة تشتبك مع الظروف الخدماتية، والأحوال المعيشية، والواقع السياسي المُزري للبلاد. كما ينحو باتجاه حُمى السوشال ميديا وسيطرتها على مفاصل حياتنا، مع التعريج على المنطق الجديد الذي بات يحكم حياتنا وموجة الغلاء القاتلة. يطبّق الجزء الجديد اقتراحاً سبق أن قدّمه أيمن رضا أحد مؤسّسي هذا المشروع، بالاعتماد على مجموعة مخرجين وجميعهم من الجيل الشاب منهم: عمرو حاتم علي، علي المؤذن، مجيد الخطيب ورامي ديوب.من جانب آخر، يعود الكوميديان السوري أيمن زيدان إلى ملعبه المفضّل من خلال مسلسل «الفرسان الثلاثة» (كتابة محمود الجعفوري ــ إخراج علي المؤذن ــ بطولة: أيمن زيدان، شكران مرتجى، جرجس جبارة، جمال العلي وفادي صبيح، وإنتاج «المؤسسة العامة للتلفزيون»- المحطّات السورية). تقترح التجربة كوميديا «لايت» تسلّط الضوء على شريحة اجتماعية لم يسبق أن أُفردت لها مساحة وافية وهم الكبار في السن، أو الرجال في مرحلة التقاعد، وتعرّج على محاولاتهم الجادة للبقاء مؤثرين وفاعلين في الحياة، مع مفارقات متلاحقة تحاول التقاط الموقف الكوميدي من الحدث الحياتي، مع إعطاء أهمية في البناء الحكائي لبحث شخصيات المسلسل عن مصادر دخل ومحاولة دعم عائلاتها. بمعنى أن التجربة التلفزيونية لا تتجاهل أحوال الناس الاقتصادية والأزمة المعيشية والخدماتية الخانقة التي تعيشها البلاد!
أعمال تقارب الظروف الخدماتية، والأحوال المعيشية، والواقع السياسي المزري، والغلاء الفاحش


من جانبها، تتصدّر شركة «أفاميا» (فراس الجاجة) المشهد السوري هذا العام بتجربة كوميدية اجتماعية «لايت» في مسلسل «حوازيق» (كتابة زياد ساري ــ إخراج رشاد كوكش ــ بطولة: سلمى المصري، وائل رمضان، فاتح سلمان وعلا الباشا، ويحل عليه عدد كبير من الضيوف منهم: أمل عرفة، أيمن رضا، رنا شميس، عبير شمس الدين، وائل زيدان، أسامة الروماني وفراس إبراهيم ــ «شوف دراما» ــ «أوان» ــ «ويّاك»). يتعقّب العمل يوميات عائلة وقعت تحت سطوة الحرب، ففقدت وضعها المالي الجيّد، بعدما كانت تُعتبر أسرة مقتدرة وتحوّل الفندق الذي تملكه في دمشق القديمة إلى مكان فارغ. لكنّ ربّة العائلة تجترح حلاً يكمن في إعادة تأهيل الفندق وتأجيره ولو بمبالغ معقولة. هكذا، قررت إعادة العمل بإحدى الغرف على أن تؤجرها لزبائن جدد ينتمون إلى فئات اجتماعية أضعف، حتى تستطيع إحلال توازن بسيط، على أمل أن تتغير الحال في ما بعد... من هنا تبدأ المفارقات مع ضيوف ونزلاء الفندق المتجدّدين، على أن يحلّ نجم سوري ضيفاً على كل حلقة، ما أتاح لصنّاع المسلسل استضافة أكبر قدر ممكن من نجوم الكوميديا السورية الذين سيكونون على تماس مباشر مع عائلة أمّ مطيع مالكته.