بغداد | يقاوم الإعلام العراقي أطواق التضييق والتحييد في ظلّ حرب يواجهها البلد مع التنظيمات المسلحة. الوسائل الإعلامية العاملة داخل العراق، بذلت جهودها بهدف مواجهة ما سمته الإعلام «الداعشي»، بينما انقسمت الوسائل الأخرى العاملة خارج العراق الى جبهتين: انضمت الأولى إلى صفوف المواجهة، بينما راحت الثانية تسمّي ما يحصل في العراق «ثورة»، كما هي الحال مع فضائيات «الرافدين» و«الفلوجة» و«التغيير»، أو تنتقد الحكومة وتشمت بقوات الأمن، كما مع قناة «الحدث»، أو توجّه اتهامات لرئيس الحكومة نوري المالكي بتشكيل جيش غير مهني، وقيامه بتعيين ضباط فاسدين، كما هو توجّه فضائية «البغدادية».
دعوة الحكومة والمرجعية الدينية والكتل السياسية الى وحدة الموقف، والتعامل بحزم مع التنظيمات المسلحة، وإصلاح القوات الأمنية، عقب حادثة الموصل، فتحت شهية الحكومة للتضييق على وسائل الإعلام المنتقدة لها. هكذا، قامت «هيئة الإعلام والاتصالات» المعنية بتنظيم ترددات الفضائيات ومنح رخص البث من داخل العراق، برفع شكوى الى إدارة القمر الصناعي المصري «نايل سات» لإغلاق بعض الفضائيات بدعوى «إذكاء الفتنة الطائفية»، و«تصعيد العنف» و«عدم الالتزام بميثاق الإعلام العربي». وأعلنت «هيئة الإعلام والاتصالات» في بيان لها أمس أنّ إدارة «نايل سات» وافقت على إغلاق قنوات «الرافدين» و«الفلوجة» و«الحدث» و«التغيير» و«البغدادية». وفعلاً، قطعت «نايل سات» أمس بثّ «البغدادية» و«الرافدين» بصمت تام ومن دون إصدار أي بيان، فيما لا تزال محطات «الفلوجة» و«التغيير» و«الحدث» المملوكة لمشايخ محافظة الأنبار تواصل بثّها.
الفضائيات التي أطلقت تسمية «الثوار» على مسلحي «داعش» في الموصل، واجهت إدانات وغضباً من قبل بعض الأوساط، فيما واصلت قناة «البغدادية» التي تبث إرسالها من الأراضي المصرية معارضتها لسياسات الحكومة، موجهة نقداً لاذعاً لرئيس الوزراء نوري المالكي، بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة.
في هذا الإطار، قال مدير «مرصد الحريات الصحافية» في العراق زياد العجيلي لـ«الأخبار» إنّ «السلم الاجتماعي خطّ أحمر بالنسبة إلى حدود حريات التعبير عن الرأي والإعلام»، مؤكداً أنّ «بعض الفضائيات تجاوزت هذا الخط، وروّجت للفتن والعنف الطائفي، وتحاول تعبئة الجمهور بالكراهية». وأضاف إنّ «بعض هذه الفضائيات كانت تبث مشاهد عنف ممزوجةً بأهازيج ثورية، لتحريض الشعب على مواجهة القوات الحكومية، وهو أمر مرفوض تماماً»، مستدركاً بالقول «أما إغلاق قناة لأنّها معارضة للحكومة، فهذا أمر غير صحيح». وبيّن العجيلي أنّ «قناة «البغدادية» المعروفة بتوجهاتها المعارضة للحكومة، لم تروّج لتنظيمات مسلحة، أو تدين القوات العراقية كما فعلت بعض الفضائيات». وتحظى قناة «البغدادية» بنسبة مشاهدة عريضة داخل العراق وخارجه، وخصوصاً برنامج «استوديو التاسعة» الذي يستضيف كل الشخصيات المعارضة لنوري المالكي، علماً بأنّ هذه القناة أسّسها في بغداد رجل الأعمال العراقي المقيم في القاهرة عون حسن الخشلوك عام 2005، لكن الحكومة العراقية أغلقتها عام 2010 على خلفية اتصال أجراه أحد المسلحين أثناء هجوم نفذه انتحاريون على «كنيسة سيدة النجاة» وسط بغداد، وأدلى بتصريحات تتوعد بهجمات جديدة. بعدها، اضطرت «البغدادية» إلى نقل مبناها الى العاصمة المصرية، لتتحوّل بعدها الى مجموعة إعلامية.
من جهته، رأى رئيس «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» في العراق عدي حاتم، أن توجّهات الحكومة لإغلاق الفضائيات «أمرٌ خطير»، مضيفاً إنّها «تحاول تبرير أوامر الإغلاق بوضع وسائل الإعلام صاحبة الرأي الآخر في خانة تنظيمات مسلحة، وبتسميتها الجناح الإعلامي لها». وقال حاتم إنّ «أمر الإغلاق صدر من داخل كابينة مجلس الوزراء بعد اتصالات مع الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية»، مبيّناً أنّ «الجمعية تدين توجهات بعض الفضائيات الداعية إلى العنف والتفرقة الطائفية، لكن في الوقت نفسه، تدين محاولات الحكومة التضييق على وسائل إعلام تحت هذه الذريعة».
وقبل أحداث الموصل، كان المالكي قد وجّه الجهات الأمنية و«هيئة الإعلام والاتصالات» بمراقبة وسائل الإعلام التي «تنتقد الجيش العراقي»، فيما أصدرت وزارة الدفاع بياناً أدانت فيه «قيام وسائل إعلام بالنقل عن مصادر أمنية من دون الرجوع الى المخولين بالتصريح».
ويواجه الصحافيون في بلاد الرافدين مشكلة في «عدم الحصول على المعلومة» في الأراضي التي يجري فيها القتال بين القوات الأمنية العراقية والتنظيمات المسلحة، وخصوصاً في محافظة صلاح الدين. في المقابل، تنقل بعض وسائل الإعلام، ومن ضمنها وكالات أنباء عالمية معروفة، معلومات عن العديد من المصادر في التنظيمات المسلحة.




استنكار وتنديد

أعلنت «البغدادية» و«الرافدين» أن إدارة «نايل سات» قرّرت وقف بث القناتين على القمر من دون إبداء الأسباب. وحمّلت «البغدادية» عبر حسابها على تويتر الحكومة المصرية مسؤولية وقف البث، ووصفت القرار بالسياسي. من جهتها، حملت دعت «الرافدين» سلطات «نايل سات» إلى إعادة البثّ فوراً، موضحة أن قرار إيقاف البث جاء من دون حكم قضائي أو سابق إنذار. وطالبت بالعدول عن القرار وإفساح المجال لأداء رسالتها الإعلامية لإيصال صوت العراقيين المطالبين بالحرية، على حد تعبير المحطة، علماً بأنّ «الرافدين» مملوكة لرئيس هيئة العلماء المسلمين حارث الضاري الذي يواجه تهم إرهاب عدة في العراق.