أوسكار هذه السنة هو وصمة عار للأكاديمية: احتفال سيء، غير مهني، وغير احترافي إلى درجة لا يمكن تصورها. إنه أمر محرج لأولئك الذين يجادلون بأنّ الجوائز مهمة. على أي حال، الجنون في ليلة الأوسكار هذه السنة، لم يبدأ مع بداية الاحتفال، بل قبل ذلك. ثماني جوائز أوسكار عرفنا مَن حصدها قبل بدء الاحتفال بساعة واحدة. شملت الليلة الكثير من الفواصل الموسيقيّة، وضيوفاً ارتدوا شرائط زرقاء كُتب عليها «مع اللاجئين»، ودقيقة صمت على ضحايا الحرب في أوكرانيا، وكمية من النّكات السّمجة من المضيفين، وصفعة على الوجه. بعيداً عن كلّ هذا، عندما تكون المنصّات الرقمية (أبل تي.في، نتفليكس...) أكبر الرابحين والخاسرين، وعناوين الصحف عن الصفعة، لا عن الأفلام والجوائز، خصوصاً فيلم «كودا» الذي حصد أوسكار أفضل فيلم، يجب القول بكلّ أريحية إنّ هناك علامة استفهام كبيرة حول مفهوم السينما داخل هوليوود.خلال تواجد النجوم على السجادة الحمراء قبل بدء الاحتفال، أعلنت الأكاديمية عبر منصّات التواصل الاجتماعي، الأفلام الثمانية التي حصدت جوائز الفئات التي أعلنت في وقت سابق أنّها ستقدّمها قبل البث المباشر (وثائقي قصير، مونتاج، مكياج وتصفيف الشعر، موسيقى، تصميم الإنتاج، رسوم متحركة قصيرة، لايف أكشن قصير، صوت...). اتُّخذ هذا القرار لتقصير وقت البث المباشر وتقصير وقت الحفلة، على أمل جلب المزيد من المشاهدين وجعل الحفلة أكثر «ملاءمةً للتلفزيون». استمرّ الاحتفال ثلاث ساعات وأربعين دقيقة. وأدى أيضاً إلى نتائج عكسية حيث قاطع احتفال توزيع الجوائز الكثير من المدعوّين من هذه الفئات، بخاصة فئة الصوت. هذا القرار يمكن وصفه بأنّه غير مهني يقلّل من أهمية هذه الفئات في مراحل صنع الأفلام، وينشئ «احتفالاً فرعياً» (للفئات الثماني المذكورة) ونظاماً طبقياً في هوليوود حيث العاملين في هذه الفئات «مواطنين من الدرجة الثانية».

أصيب الحاضرون بالذهول مع قيام ويل سميث بصفع مقدّم الاحتفال كريس روك مباشرةً على الهواء (روبن بيك ـ أ ف ب)


دخلت جين كامبيون تاريخ الجائزة بصفتها ثالث امرأة تفوز بجائزة الإخراج (فاليري ماكون ـ أ ف ب)

بدأ الاحتفال مع المضيفات الثلاث: ريجينا هول، إيمي سومر، واندا سايكس. ثلاثة كوميديّين طرّزوا مونولوجات غير فكاهية وسطحيّة من قبيل: «من الأرخص توظيف ثلاث نساء من توظيف رجل واحد»، أو «ليوناردو دي كابريو مصمّم على ترك الكوكب نظيفاً لصديقاته من بعده»، ونكته عن فيلم «لا تنظر إلى الأعلى» مفادها أنّ هوليوود لا تقرأ النقد. بضع وقفات موسيقيّة مع تكريم لأفلام كلاسيكية مثل «العراب» و«بالب فيكشن»... ثم أسكت ويل سميث الجميع عندما صفع كريس روك مباشرةً على الهواء، لأنّ الأخير سخر من زوجته جادا بينكيت سميث. لم يكن سميث قد حصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «الملك ريتشارد» عندما قال إنّه غير قادر على تلقّي نكتة من ممثل كوميدي، فقرّر وضع حدّ لها من خلال عرض سيّء لهورمون التستوستيرون (الشك موجود بأنّ ما حدث مجرد تمثيل، وأن كلّ هذا هو فقط للفت الانتباه إلى الأوسكار بعدما خسر الكثير من المتابعين، ولكنّ هذا الشك يهزّه شيء واحد فقط بأنّ كريس روك وويل سميث ليسا ممثلين جيّدين ليقدّما مشهداً واقعيّاً لهذه الدرجة!). اعتذر سميث للأكاديمية والأوسكار في يده، وبذل جهداً ليُغفر له من دون ذكر فعلته والاعتداء، حتى أنه برّر فعلته بسطحية كبيرة عندما قال «الحب يجعلك تفعل أشياء مروعة». هناك شك ما إذا كانت جائزة أفضل ممثل التي حصدها سميث هي لحظة عار أو خزي، بخاصة عندما قارن نفسه بشخصية ريتشارد والد سيرينا وفينوس ويليامز الذي لعب دوره في الفيلم، فالشريط يدور حول ريتشارد الذي أصرّ على حماية ابنتيه وتعليمهما بمواجهة بطولية غير عنفية مع كل من حاول مضايقتهن.
بالعودة إلى السينما، تعكس الكمية الكبيرة للأفلام المرشحة، خصوصاً توسيع ترشيحات جائزة أفضل فيلم إلى عشرة، حالةً من عدم اليقين في عام كان عالقاً بين أزمة كورونا وانتعاش صالات السينما. مع إقفال الصالات ثم عودتها وانتعاشها مع انتعاش المنصات الرقمية، وجدت السينما نفسها عند مفترق طرق وبدأت تسأل نفسها باستمرار: ماذا؟ وأين؟ وما نريد أن نكون؟ أسئلة أجاب عليها كثيرون بطرق مختلفة. مع ذلك، حملت السنة الفائتة الكثير من الأفلام العظيمة الأميركية وغير الأميركية. مع بداية هذه السنة، نرى أنّ قائمة المرشّحين والأفلام تعكس أنّ مستقبل السينما لا يزال في متناول اليد. مع ذلك، قرّرت هوليوود صفع نفسها بسبب تخفيف قوانين الترشيح والابتعاد عن الالتزام بإصدار الأفلام في دور العرض، ما أعطى نتفليكس 27 ترشيحاً تفوقت بها مرة أخرى على استديوهات الأفلام الثانية، على الرغم من أنها أكبر الخاسرين، بأوسكار وحيد لأفضل مخرجة لجين كامبيون عن فيلم «قوة الكلب». وفوق كل هذا، قررت الأكاديمية إعطاء جائزة أفضل فيلم لأكثر الأعمال ضحالةً هذه السنة من إنتاج «أبل تي.في».

فريق فيلم «كودا» المتوّج بجائزة أفضل فيلم (روبن بيك ــ أ ف ب)


أوسكار أفضل ممثلة لجيسيكا تشاستين في «عيون تامي فاي» (باتريك فالون ــ أ ف ب)

استسلمت الأكاديمية للخير والحب المتدفّق في الفيلم الذي يتباهى بأنه جيد. «كودا» للمخرجة سيان هيدر حصد ثلاث جوائز أوسكار (أفضل فيلم، أفضل ممثل في دور ثان لتروي كوتسور أول ممثل أصم وأبكم يحصد الجائزة، وأفضل سيناريو مقتبس). يحكي قصة روبي التي تبلغ 17 عاماً وتعاوِن والدها وشقيقها في عملهما كصيادين صباحاً قبل الذهاب إلى المدرسة. روبي هي الوحيدة التي تسمع في العائلة، والدتها وشقيقها ووالدها مصابون بالصمم. بينما ترغب الابنة في متابعة شغفها بالموسيقى والغناء والانتقال إلى جامعة بعيدة، تجد نفسها أمام خيارين: إمّا هجر أبويها في أزمتهما المادية والانتقال إلى الجامعة أو التخلّي عن شغفها والبقاء مع أسرتها. «كودا» أحد الأفلام التي تقدم بالضبط ما يريده ويتوقّعه المشاهد في كل لقطة. إنه تعريف الفيلم السهل، بنفس سهولة قرار الأكاديمية. شريط يقف وراء درع من المشاعر الجيدة المتدفّقة التي تُخفي وراءها افتقاراً واضحاً للأفكار. إذا افترضنا أنّ الشريط ينتمي إلى الأفلام التي تهدف إلى جعل الجمهور يشعر بالرضى، وهذا ليس سيئاً، إلّا أنّه العكس تماماً في الواقع. إذ يُدين الفيلم مجتمعاً بأكمله مع الظلم الناتج عنه بطريقة مريرة. دراما تدور حول ثلاث شخصيات صمّاء وشخصية غير ذي إعاقة تتولى رعايتها ويُبرز جمالها وحبها الدائم، فيما يتم ترك الشخصيات ذوي الإعاقة في الخلف. في العادة، يذهب الفيلم الذي حصد أوسكار أفضل فيلم إلى البيت الأبيض بعد حصوله على الجائزة، إلا أنّ فريق «كودا» سافر إلى واشنطن يوم الثلاثاء الفائت، وصافح الرئيس بايدن والسيدة الأولى، وقامت فرقة المشاة البحرية بتأدية أغنية الفيلم. ما بدا في الظاهر أنه لقاء وتحية، كان في الحقيقة لفتة انتصار، نصراً لم يتوقعه أحد عندما بدأ موسم الجوائز، بمن في ذلك المخرجة و«أبل تي.في» التي أصبحت أول خدمة بث رقمي تفوز بجائزة أفضل فيلم.
حصدت المخرجة جين كامبيون أوسكار أفضل مخرجة عن «قوة الكلب» الذي ترشّح لـ 12 جائزة وخرج بواحدة فقط لكامبيون التي أصبحت ثالث امرأة تفوز بجائزة الإخراج. لا يمكن مقارنة «كودا» بأي فيلم آخر مرشح للجوائز لأنّ كل الأفلام تتفوّق عليه بدرجة كبيرة. «قوة الكلب» يخاطر بالانتماء إلى سينما الويسترن، على الرغم من أنه يفرض نفسه كحكاية عن الهواجس والمشاجرات العائلية والتلميح إلى الدراما القوطية وحتى المغازلة العرضية. إنّه مراجعة معقدة وغريبة، وبمثابة تفكيك ناجح للغرب الأميركي، يسائل معنى الذكورة، ليجيب بأنّ نفسية الذكر ما هي إلا نبضات لا يمكن السيطرة عليها ورغبات ومشاعر مكبوتة. تقوم كامبيون بمغازلة أجساد الرجال، وتستمد شخصياتها الرجولية قوّتَها من البيئة، وتخفي حقيقتها بفظاظة وقسوة. تقول كامبيون إنّ «تيرانوس (الطاغية) سيُصبح إنساناً عندما نفهم أنّ حب السلطة هو تمويه لحدث غير معلن في الماضي يغذّي الحاضر». تبرئ كامبيون بطل فيلمها (يندكت كامبرباتش، الذي كان يجب أن يحصد جائزة أفضل ممثل بدلاً من ويل سميث). يمكننا أن نشعر بأسفها تجاهه لكن بعد فوات الأوان، عندما لا يمكن إعادة عقارب الساعة والأحداث إلى الوراء. تعرّفنا كامبيون إلى «الرجل الألفا»، كاشفةً عن التناقضات الداخلية لشخصيّته، فالعاطفة والإحساس بالوقوف أمام رجل مقنّع يُخيف بقدر غموض نهاية فيلمها.
«كودا» يقدّم بالضبط ما يريده ويتوقّعه المشاهد في كل لقطة


أفضل فيلم أجنبي لم يكن مفاجئاً مع «قودي سيارتي» المستند إلى قصص قصيرة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي. انتصر المخرج الياباني ريوسوكي هاماغوتشي هذا العام بفيلم يتربّع على عرش أفلام هذه السنة بلا منازع. يصعب فهم سرّ هذا الفيلم. هاماغوتشي وصف المشاعر الضعيفة والصامتة بطريقة سرية. مشاعر شقّت طريقها في مشاهد الفيلم القادر على مفاجأتنا باستمرار من دون أن يفقد واقعيّته وشفافيّته. ثلاث ساعات من المشاعر المحتواة، في نصّ يخلط موراكامي بسينما هاماغوتشي ومسرح تشيخوف. الخوف والعار والشعور بالذنب يختلط مع القصص الشفوية، ويتلاشى الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال. متألّق بدقّته واتّزانه الأنيق، «قودي سيارتي» هو السينما الحقيقية. سينما تتحرك مع الحقيقة الإنسانية التي تحتويها، مع القصص الخيالية التي تتحدّث إلينا وتنظر في وجوهنا. هاماغوتشي قدّم تحفة لا تشوبها شائبة، مزعج كم هو مثالي. فيلم مهذب ومحترم تجاه موراكامي وشخصياته وتجاه الجمهور الذي يشاهد. فيلم طريق يذهب بعيداً جداً في أفق لا نهاية له.

أكثر الرابحين هذه السنة هو «ديون» للمخرج الكندي دوني فيلنوف


أكثر الرابحين هذه السنة هو «ديون» للمخرج الكندي دوني فيلنوف بستّ جوائز (تصوير، مونتاج، صوت، موسيقى/ هانز زيمر، تصميم الإنتاج، مؤثرات خاصة). أوبرا الفضاء هذه، مليئة بالحركة، قريبة إلى سينما أكشن الفضاء وفي الوقت نفسه محمّلة بروح السينما الشاعرية. كان انتصار أريانا ديبوز في فئة أفضل ممثلة مساعدة في أدائها في فيلم «قصة الحي الغربي» الرائع لستيفن سبيلبيرغ شيئاً جيداً حقّقته الأكاديمية في ليلتها. أما جيسيكا تشاستين التي فازت بأفضل ممثلة عن فيلم «عيون تامي فاي» كانت غير مقنعة، تماماً كجائزة أفضل سيناريو أصلي لفيلم «بلفاست» للمخرج كينيث برانتغ.
في الدورة الرابعة والتسعين لجوائز الأوسكار، التي سيطرت عليه الصفعة، السينما هي الخاسرة، والأكاديمية هي الوحيدة الرابحة، ليس بسبب الأفلام والجوائز، بل بسبب الصفعة التي احتلت جميع وسائل الإعلام. السؤال الكبير اليوم: هل ستتعلم الأكاديمية ممّا حصل وتركّز على السينما مرة أخرى في العام المقبل أم أنّ منصات البث التدفّقي سوف تحتل مرة أخرى حرم هوليوود وسوف نرى أفلاماً سيئة جديدة تحصد أهم الجوائز فقط لأنها تمنحنا شعوراً جيداً؟

* «قوة الكلب» على نتفليكس
* كودا على Apple TV+



الفائزون: اللائحة كاملة
في ما يأتي قائمة بالفائزين في الفئات الرئيسية لجوائز الأوسكار التي أقيمت دورتها الرابعة والتسعون الأحد في لوس أنجليس:
◄ أفضل فيلم: «كودا»
◄ أفضل مخرج: جين كامبيون عن «قوّة الكلب»
◄ أفضل ممثل: ويل سميث في «الملك ريتشارد»
◄ أفضل ممثلة: جيسيكا تشاستين في «عيون تامي فاي»
◄ أفضل ممثل في دور مساعد: تروي كوتسور في «كودا»
◄ أفضل ممثلة في دور مساعد: أريانا ديبوز في «قصة الحي الغربي»
◄ أفضل فيلم دولي: «قودي سيارتي» (اليابان)
◄ أفضل فيلم رسوم متحركة: «إنكانتو»
◄ أفضل فيلم وثائقي: «سامر أوف سول»
◄ أفضل سيناريو أصلي: «بلفاست»
◄ أفضل سيناريو مقتبس: «كودا»