عمان | منذ أربعة أشهر، بدأت المعمارية رنا البيروتي في العمل على تنظيم معرض يثير التساؤلات ويحضّ على التفكير عبر مداخلات خاصة بالقضايا الأساسية الأكثر إلحاحاً في الأردن: السياسة المائية والإيكولوجيا الزراعية وممارسات البناء الاستخراجية. بالتعاون مع فنانين وأنثروبولوجيين ومزارعين وطهاة، استطاعت أن تقدّم معرضاً مقسّماً إلى منازل عدة يتحدث كل منها عن الماء والغذاء والبناء.يقدم معرض «نثر من الجذور» الذي تحتضنه «دارة الفنون» في عمّان لغاية نهاية حزيران (يونيو) المقبل، «مشاريع فنية تهدف إلى الحديث عن نظام متكامل يعمل تحت الأرض؛ لا نراه ولكننا نودّ أن نفهمه» تقول البيروتي. وتضيف أن المشاريع المشاركة تحاول أن تقدّم تأملات في بدائل لبناء قنوات اتصال جديدة مع الأرض.
يتحدث الجزء الأول من المعرض حول الزراعة. يتناول أحد أكثر المواضيع أهمية في الأردن وهي زراعة القمح. وبشيء من الرمزية، يتأمل المعرض سؤال «كيف توقّف الأردن عن زراعة القمح؟». نجد في القسم الأول قمحاً وخبزاً وأدوات زراعية لم تعد تُستعمل في الحاضر، وجرائد مؤرشفة تحكي عن إنجازات الأردن في زراعة القمح في الماضي، وفيديوهات قصيرة لجدّات يتحدّثن عن تدريجية اختفاء المنتج البلدي بعد الكثير من المِنح والاستيراد من الولايات المتحدة.
ورغم أن استعراض الماضي يبعث على شعور بالخيبة، إلا أن القائمين على المعرض وضعوا أيضاً صوراً ونماذج لمشاريع تجريبية ناجحة لزراعة القمح وإنتاج السماد العضوي وإعادة الطعام البري إلى المائدة، ليصبح الطعام شكلاً من أشكال المقاومة وإعادة الكرامة.
توضح ريف فاخوري ودينا بطاينة القائمتان على «تغميس»، وهو أحد المشاريع المشاركة في المعرض، أن الناس كبروا على جملة «الأردن بلد فقير بالمصادر والموارد» الموجودة في المناهج المدرسية. توضحان أن هذه الجملة شكّلت علاقة الأردنيين بأرضهم وأشعرتهم بعدم فائدة هذه الأرض وشلّت قدرتهم على التواصل معها وأبعدتهم عنها.
بشكل لافت، وضع القائمون على المعرض شكلاً هندسياً مثلثاً مبنياً من الطوب. تفسّر الفنانة المشاركة في المعرض، نجود عاشور، ممارسات البناء باستخدام الطين كدلالة على التقارب بين الإنسان والأرض. تتأمل هذه الممارسة وتراها كفعل رقص تتشارك فيه الأيدي والأقدام. هو يمثل أيضاً إعادة استكشاف لصلة الإنسان مع أرضه.
ومن وجهة نظر تأملية للفنانة، فالأبنية الطينية لم تنهك الطبيعة وإنما انبثقت عنها وتوافقت معها، إذ إن المادة المستخدمة (الطين) مرنة قابلة لإعادة التشكيل. تصف عاشور البناء بالطين بأنه حالة لاحتضان الأرض للإنسان، في حيز مريح معتدل الحرارة والرطوبة.
على مقربة من البناء، ثمة شاشة تعرض فيلماً قصيراً عن رحلة عبير الصقيلي إلى الصحراء لاكتشاف نوع من أنواع «العمارة الأمومية»، حيث تصور النساء اللواتي يصنعن بيوت الشَّعر في الصحراء، وهي المهمة التي لطالما أوكلت لهن بين القبائل البدوية، إذ يجمعن وينسجن شعر الماعز وصوف الأغنام ويؤدين الدور المعماري في الصحراء.
رغم أن ممارسة بيت الشعر حالة تكيفية مع المناخ القاسي في البادية بحسب الصقيلي، إلا أنها تضيء على المحو البطيء لهذه المعرفة التي تمتلكها النساء حول بيوت الشعر مع تقدم الزحف السياحي إلى الصحراء، وتخلّي البدو عن بيوتهم المصنوعة من الشعر لصالح الهياكل الخرسانية. تعرض باولا فران عملاً توثيقياً لظاهرة انحسار مياه البحر الميت، يتنبأ بزوال البحر في المستقبل القريب وتضع التجهيز الفني المكوّن من صور وجبس وملح ليكون شاهداً على وجود البحر يوماً ما. تصف الفنانة فكرة مشروعها بأن «ثمة اختلالاً في المد والجزر على شواطئ البحر الميت. يمر الوقت وتنحسر المياه بلا هوادة. أي بمعنى آخر، البحر الميت يغرق».
في القسم الأخير من المعرض، أعمال نادية بسيسو التي تتبع الحدود الأردنية كمحاولة لتصور ما حدث لأرض خصبة وُجدت في هذه المنطقة، وتوثق المساحات الطبيعية للعديد من القرى على طول هذه الحدود. يُعرض منها الفصل الأول «خط الإنقاذ»، وصورة من الفصل الثاني «هلال عقيم».
توثيق تجارب في إنتاج الأسمدة العضوية وجمع الغذاء البري


في فصل «خط الإنقاذ»، تلتقط بسيسو صوراً في الخط الواصل بين البحر الأحمر والبحر الميت. تتناول قضية مشروع خط أنابيب الإنقاذ المثير للجدل بين الأردن و«إسرائيل» وفلسطين؛ لتوفير المياه وإنقاذ البحر الميت المتقلّص. رغم إيقاف المشروع مؤقتاً إلا أن بسيسو تضع بين أيدينا تأملات في حقبة جديدة تثير فيها المخاوف الإيكولوجية من اضطراب النظام البيئي الطبيعي للبحر الميت. يحاول مشروع بسيسو تخيّل موقع خط الأنابيب قبل بنائه وتصوير القرى الشاهدة على ما يحدث في الحدود ولربما على اتفاقية السلام التي أثّرت على مستقبل المياه في الأردن.
تحضر في المعرض أيضاً أعمال فوتوغرافية وأرشيفية وتجهيزية ومساهمات مختلفة بمواد وثيمات متعددة، إلى جانب توثيق تجارب في إنتاج الأسمدة العضوية وجمع الغذاء البري، شارك فيها آيلا حبري، ديما عساف، ديما دعيبس، إيمان حرم، حارث رمزي، حسين الأزعط، كرمة الطباع، خالد البشير، ميس العزب، ملكا عبد الرزاق، سريا غزلباش، ميرنا بامية، روان بيبرس، سارة الرشق، سيما الزريقات، و«ذكرى للتعلّم الشعبي».

* «نثر من الجذور»: حتى نهاية حزيران (يونيو) ــ «دارة الفنون» (عمّان) ـــ daratalfunun.org