الفوتوغرافيا فنّ اللحظة، حدثاً أو موقفاً أو وضعية أو منظراً… ولمعرضه الفوتوغرافي «أفق» الذي تحتضنه غاليري «آرت ديستريك» (الجميزة)، اختار عمر فرنجية تيمة الشروق والغروب في 12 عملاً، محاكياً اللوحة المرسومة ذات الملوانة والأسلوب التجريديّين… إنما الفوتوغرافيّة بامتياز، وذات العين الجمالية التي تطارد «الساعة الذهبية» أو «الساعة السحريّة» في التعبير السينمائي أيضاً، أي الصورة ــ الحركة بحسب دولوز.يجسّد المعرض ناحيةً من الخصائص الجمالية للحظات الغروب في المنظر الطبيعي اللبنانيّ الذي ينطوي على سحر وجمال يطبعان أفق شاطئنا المتوسّطي، سواء كان شاطئ جونيه أو شاطئ بيروت، فالهدف إبراز المشهد وتوثيق سحر اللحظة.
الضوء عماد اللحظات في الغروب أو الشروق التي لا تدوم في الواقع طويلاً (نحو عشرين دقيقة حدّاً أقصى). الوقت محدود لانتقاء اللحظة الملائمة وتقدير آنيّته السريعة الهاربة والضغط على زرّ الكاميرا، علماً أنّ متتاليات الديجيتال تسهّل المهمة على المصوّر لانتقاء الأفضل لاحقاً، مناخاً وتأثيراً انطباعياً ومشحات لونيّة. فتصوير المنظر الطبيعي يختلف عن تصوير الأشخاص والأماكن والحوادث الطارئة والوضعيات المتنوّعة أكانت عفوية أو مركّبة. الفن الفوتوغرافي أنواع وأشكال تخضع للتيمات أو للمواضيع التي تسم أسلوب المصوّر واهتماماته. والصورة الفوتوغرافية مثل السينما نحتٌ في الضوء.
يُقال إنّ الشعر اثنان، كاتبه وقارئه. ويمكن إسقاط هذا القول على الصورة الفوتوغرافيّة، فهي صانع الصورة والناظر المنجذب إليها بشعور وانطباع شخصيّين. والأفق لدى عمر فرنجية يجذب أنظارنا نحو الأبعد، نحو المدى المفتوح على إحساس بالمعنى غير النهائي، وعلى جمال لا يحدّه شعاع أو لون. نحن أمام أفق مشرّع على السؤال المثير والغامض: ماذا وراء؟ ماذا بعد؟ هي لقطة ثابتة تقودنا حركتها الضمنية إلى لا نهائية قد تتعدّى الجمال المبهر إلى ما هو سؤال وجوديّ عن موقعنا في كونٍ غير محدود في الزمان والمكان. وقد يكون هذا شعوراً ذاتيّاً (ربما غير موضوعيّ) راودنا أمام فوتوغرافيات عمر فرنجية الجميلة. للذاتّي أيضاً «مشروعيته» إزاء عمل فني . ‏ Ofoq عنوان جميل لهذا المعرض من زواياه المختلفة وعناصره اللافتة بجمالياتها: بحر، سماء برتقالية موشاة بسحر الغروب، شمس تغيب كأنّها تؤوب إلى سرير الليل، غيوم كثيفة اكتست اللون الأزرق، سفينة ونقاط مضيئة في أوّل العتمة… وفي صورة بعنوان «آخر النفق» ( تعود إلى عام 2017) كلّ تلك العناصر في تكوين محض تجريدي. أمّا لوحة «زوس» (2017) فمبهرة، إذ تلتقط صاعقة رهيبة تضرب سطح الماء مهدّدة سفينة قريبة في عرض البحر.
سفينة ونقاط مضيئة في أوّل العتمة

وهنا القيمة المزدوجة التي تطبع أعمال فرنجية: توثيق اللحظة والتكوين الجماليّ بعدسة مرهفة ومحترفة.
انطباع ختامي: فن الفوتوغرافيا يرتبط تاريخياً بالأبيض والأسود الذي يتيح من خلال التضاد وثنائية الضوء والظلّ أن يبدع الفنان أكثر ويظهر إبداعه. نذكر هنا فوتوغرافيات هنري كارتييه - بروسون، وستيف ماك كاري، وهيلن ليڤيت، وخصوصاً لوي بوردون وسيدريك راي وآخرين ممّن صوّروا البحر والغروب والأفق المفتوح بالأبيض والأسود. ولعلّ التأثير أقوى بهذين اللونين.

* «أفق»: حتى 27 آذار (مارس) ـ Art District (الجميزة) ـ للاستعلام: 81/680069