لعلَّ أول ما يلفت في معرض شمس صفي الدين هو العنوان: «الكراسي الحُمُر». المعرض الذي تحتضنه غاليري «آرت لاب» في الجميزة، يطرح أمامنا مجموعة لوحات متناثرة ومختلفة تحملُ جميعها ثيمة واحدة وتوقيعاً واحداً هو الكرسي. زوايا عديدة ومتباينة يجسّد فيها صفيّ الدين تجلّيات الكرسيّ وأحواله.للوهلة الأولى، يشعرُ المتفرّج أنّه أمام لوحة واحدة، إلا أن رؤية الأعمال مرات عدة وبطريقة مغايرة في كلّ مرة، وبترتيب شبه عشوائي ومخالف لترتيب القيّمين، تكشف اللثام عن خاصيّة كلّ لوحة معروضة. الخاصية الأولى تتجلّى على شكل سؤال مفاده: هل يمكن لفنان أن يبني معرضه على قطعة أثاث ويجعلها كائناً محورياً في لوحاته؟ الإجابة مطروحة أمامنا وهي نعم: الكرسي الممدّد أمامنا عبارة عن حصيلة لترحال الفنان من منطقة إلى منطقة، وحصيلة للتعرّف إلى مجتمعات متباينة في النسيج اللبناني، أراد شمس الدين من خلالها البحث عن مكان ثابت ينقل عبره تساؤلات حول مشكلات اجتماعيّة وسياسية ولو شئنا شخصيّة حميمة.

«وقت للراحة» (مواد مختلفة على ورق ــ 50 × 50 سنتم ــــ 2021)

لوحات المعرض تأتي من زاوية مهمّشة ووحيدة. تمشي في نسق موحّد وسردية يتيمة موزّعة على سبع لوحات و4 اسكتشات صغيرة. اللون الأحمر القاتم يشي بالقوّة، رغمَ أنّ اللوحات بمجملها صامتة بكماء، نحن إذاً أمام رحلة نبش لتفاصيل كراسي وقصص لمقاعد مهجورة ومنسيّة.
اللوحات في أغلبها تنتمي إلى النسق التّعبيري، لا تشتغل على فكرة مواربة أو مباغتة، إنّما تسترسل في تقديم ما لديها وتنسحب. اللوحة الأولى تجسّد فكرة بسيطة هي الملحمة (مكان بيع اللحوم وليس الملحمة الشعريّة). الفكرة فيها تقترب وتبتعد، إذ لم يقيّد صفيّ الدين اللون، بل تركه على سجيّته يتدلّى على الجوانب ببقع صغيرة. العمل الثاني يقوم على رجل جالس على كرسي، صاحب جسد مجوّف ومتعرّج. الرجل محاط أيضاً بلون أحمر قان والقليل من الرمادي في أقصى اليسار، أضلاعه تختفي تحت الألوان كمن تتآكل عضامه، حلمة صدره أشبه بعين شاخصة وناظرة إلى المتفرّج، ويدان عملاقتان مستلقيتان على الكرسي. يمكن أن نضيف مثلاً لوحة الأرجل المحتضنة لبعضها، يمكن للمشاهد أن يؤَوّل أمامها المشهد كأنّه حالة حبّ، كلّ ذلك حاصل ومسرحه الكرسيّ.
لوحة مجاورة بالرمادي والأسود والبرتقالي، يخالها الناظر قلباً أو شكل قلب. اللوحة الأخيرة في الزاوية مثلاً على شكل حوار كراسيّ، كراسيّ ذات أرجل تتخاطب وتتحاور في خلفيّة لونيّة موازية.
يشتغل شمس صفيّ الدّين على اللوحة بطريقة المحاكاة، محاكاة بحالات متدرّجة، الخلاصات الموجودة أمامنا في المعرض هي خلاصات نهائيّة بعدما كانت خلفيّات واسكتشات جرى الاشتغال عليها لفترات متباعدة. هي أقرب إلى تركيب لوحة فوق لوحة، ومشهد فوق مشهد، لنصل أخيراً إلى النهاية. يمكن النظر مثلاً إلى المعرض بطريقة بسيطة. المعرض متروك على سجيته واللوحات متروكة لنسيجها الداخلي. لوحات مع إطارات، لوحات بدونها ملصقة بشكل عفوي.
يمكننا أن نسأل هنا عن إمكانيّة أن تكون هذه اللوحة تقليديّة. يمكن بمعنى ما أن تكون تقليديّة بأدواتها، إلا أن الخلفيّة المرافقة تضعها في مصاف اللوحة المعاصرة. تلك اللوحة التي تتنحّى جانباً من تفاصيل الحياة اليومية وتضيء عليها، تضعها تحت عين المجهر. هذا بالضبط ما يمكن نسبُهُ للوحة شمس.
اللوحات في أغلبها تنتمي إلى النسق التّعبيري


يأتي معرض صفيّ الدين ضمن سلسلة معارض تقيمها الغاليري هذا العام (12 معرضاً) ابتدأت بمعرض أحمد غدّار الذي حمل ثيمة «الباص رقم 4 »، حيث روى بلوحات عديدة علاقته بهذا الباص، كما سرد مفاصل من حياته وتجربته كون والده كان صاحب «فان رقم 4». وبعد صفيّ الدين، ستلتحق بالغاليري مجموعة «كوليكتيف» التي تضمّ 12 فناناً يقدّمون صوراً فوتوغرافيّة ذات ثيمة معيّنة. في «الكراسي الحُمُر» ينتظر المتفرّج ما وراء الكرسيّ، هناك حيث تكمُنُ القطبة المخفيّة وغير المعلنة، التي هي أساس لوحة شمس صفيّ الدّين ذات الضربات الدمويّة المحيّرة، والخالية من الزوائد.

* معرض «الكراسي الحمر»: غداً الخميس ــ الساعة الخامسة بعد الظهر ــ «آرت لاب» (الجميزة ــ بيروت). للاستعلام: 03/244577