معرض غادة جمال «الانتماء إلى... 1990 ـــ 2022» الذي تحتضنه غاليري Art on 56th، يجسّد مرحلتَين أساسيّتَين في أعمال الفنانة: الأولى تعبير عمّا عايشته وكابدته في الحرب الأهلية اللبنانية من عنف وموت وفوضى ودمار ويأس، وضمّنته اللوحات التي أنجزتها يوم غادرت لبنان إلى الولايات المتحدة. أمّا المرحلة الثانية، فلا تختلف كثيراً عن مشاهد الحرب، وتتمثّل في معاينتها انفجار مرفأ بيروت الذي أسرعت في تشكيل تداعياته في العين والرؤية والوجدان المكلوم.
Lebanon Cityscape, Bull’s eye (زيت على كانفاس ــــ 153 × 122 سنتم ـــــ 1994)

بين انفجارَي الحرب الأهلية والمرفأ، جسر ممتدّ تربط ضفّتيه رسوم بالأبيض والأسود، أي بالفحم. ولكلٍ من التجربتين أسلوبه وأدواته، فيسير مثل نهر متعدّد الجداول. والفرق الوحيد أنها رسمت الحرب في غربتها الأميركية يوم حملت معها ندوب تلك الحقبة وجنونها، مستعينةً بما سجّلته الذاكرة من دون أن تغيب قوّة الصدمة وعنف الواقع. أسلوب تجريديّ يفصّل الأجساد والأشياء والأمكنة بطريقة عنيفة ويغيّب الوجوه والحضور الإنسانيّ البيّن، كأنما حلّت الأشياء مكان الوجوه الحيّة والمدينة وأهلها، في تجسيد صادم لما علّم في روحها وجسدها من عنف الواقع، فتتمازج الألوان القاتمة والأحمر القاني الذي يرمز إلى الدم. لا يختم التجريد هنا المعاناة، موحياً أنّ الحرب لم تنته بيوتوبيا خلاص.
دراما تشكيليّة تراوح بين القنوط والفرح، بين اليأس والرجاء


من رسوم الحرب في المرحلة الأميركية، إلى انفجار المرفأ الذي عاينت الفنانة لحظة وقوعه دوياً عنيفاً ومشاهد مؤلمة وموتاً ودماراً وخراباً. هنا تُخلي الذاكرة مكانها للصرخة الآنية المباشرة تحت هول الصدمة التي قد يربط بعضُ عناصرها المرحلتين، إنّما بتعبير مختلف وقماشة جديدة.
المقاربة التشكيلية لا تتبدّل، كذلك اللونيّة والنفسيّة. لا تغيب الوجوه (كما في المرحلة السابقة)، لكنّ التجريد واختزالاته ماثلة في هذه المرحلة أيضاً، مع استرسال في الإيحاء بالمجهول والخوف اللذين يفضيان إلى اليأس، من خلال ضربات لونية وخطوط مبهمة يغدو اللون فيها مثل المرحلة السابقة، أداة تعبير أساسيّة.
يخيّل إلينا أنّ غادة جمال تربط تجربتين وزمنين ومكانين متباعدين. لكنّ الغريب أنها خصّصت لكل تجربة زاويةً من المعرض. لعلّه كان أفضل لو مزجت المرحلتين كونهما يشكّلان رؤية واحدة وأسلوباً واحداً، بل معاناة واحدة. لا تختلف أعمالها بين أسود وأبيض، فهناك تكثيف للألوان الصارخة التي استخدمتها في أعمالها السابقة. إنّها في المراحل كافة، لوحة واحدة موسومة بالخوف والسواد إن لم نقل اليأس.
المفاجأة تكمن في الزاوية الثالثة من المعرض حيث ارتدت اللوحات ثوباً ملوناً، ربما لفتح نافذة صغيرة على الأمل. ملوانة زرقاء وخضراء وبرتقالية تدعو إلى الحلم والتفاؤل. كأنّها نهاية «سعيدة» لدراما تشكيليّة تراوح بين القنوط والفرح، بين اليأس والرجاء.

Belonging for 1990-2022: حتى 19 آذار (مارس) ــ Art on 56th (الجميزة) ـ للاستعلام: 70/570333