غزة | أخيراً، انقلب السحر على الساحر، وعادت جمرة الأحداث الملتهبة إلى مكانها الصحيح. بعدما شبك الرئيس الفلسطيني محمود عباس يده بيد الاحتلال الإسرائيلي، وجرّد الضفة الغربية من سلاح المقاومة، وفكّك الخلايا العسكرية للتنظيمات الفلسطينية، جاءت الرياح على عكس ما تشتهي سفنه. منذ الخميس الماضي، يؤرّق خبر اختطاف 3 جنود صهاينة في مدينة الخليل المحتلة جنوب الضفة مضجع الاحتلال ومعه شريكته في التنسيق الأمني. هذا الخبر تلقّفه الفلسطينيون بروح توّاقة لتفعيل المقاومة في الضفة، وخصوصاً أن المعتقلين الإداريين يخوضون إضرابهم عن الطعام لليوم الـ 54 على التوالي. نشوة الفلسطينيين بهذا الحدث المفصليّ غمر الفضاء الافتراضي، فاجتاح وسم «الخليل تقاوم» مواقع التواصل الاجتماعي التي خيّمت عليها أجواءٌ من التفاؤل بعد أيامٍ ساد فيها الإحباط إثر خلافات طاحنة بين «فتح» و«حماس» على رواتب موظفي قطاع غزّة. في المقابل، لم يفوّت إعلام الاحتلال أيّ فرصة لاستقطاب الرأي العام الدولي، واستدرار عطفه تجاه قضية الجنود المختطفين. غيّب الإعلام الإسرائيلي من أخباره وتحليلاته ومقالاته أيّ برهان على أن المختطفين يخدمون في جيش الاحتلال. صدّر قضيتهم إلى العالم بتبني مصطلحات من قبيل «أولاد» و«أطفال» و«تلاميذ» بهدف أنسنة وجهه الوحشيّ ودغدغة مشاعر المجتمع الدولي لتجريم الاختطاف. كما دشّن صفحة على الفايسبوك تحمل عنوان Bring Back Our Boys لتوسيع رقعة التضامن مع الجنود المختطفين، إذ فتح مساحته الافتراضية هذه لعرض صور أهالي المختطفين وهم مصابون بنوبة بكاء حادّة. وأفسح المجال للمتضامنين لنشر صورهم، وهم يحملون لوحات كُتب عليها الوسم الذي يحمله عنوان الصفحة. لم تقتصر مسألة شحذ العواطف على أوساط المجتمع الإسرائيلي، بل طاولت شخصيات صهيونية رسمية، كالمتحدث باسم خارجية الاحتلال أوفير جندلمان الذي غرّد باللغة العربية على تويتر بعبارة «أعيدوا أطفالنا».
وقاد أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال هذه الحملة التسوّلية على الموقع الأزرق. هذه الحرب المسعورة بين الفلسطينيين والاحتلال أشعلت الشبكة العنكبوتية. غير أن الفلسطينيين تمكّنوا من خطف الأضواء من الإسرائيليين، وباشروا التغريد بشكل عكسي. وظّف النشطاء عبارتي Bring Back Our Boys و Life Under Terror اللتين أطلقهما الإسرائيليون في فضح انتهاكات الاحتلال والمستوطنين بحق أطفال فلسطين. على خطٍ مواز، توحّدت الفضائيات الفلسطينية في خندق مواجهة إعلام الاحتلال، وخصّصت موجات مفتوحة لتغطية الحملة العسكرية الواسعة التي يشنّها الاحتلال في الضفة المحتلة، وبدأت بتحليل المشهد الراهن ورصد التحليلات والتوقعات بتفجّر الأوضاع واشتعال جذوة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. وبذلك، غابت أخبار المصالحة الفلسطينية التي نالت نصيب الأسد من تغطية الإعلام الفلسطيني لها، لتحلّ محلها قضية يعتريها كثيرٌ من الألغام والتعقيدات.



كسباً للرأي العام

في مقابل الحملة الالكترونية التي أطلقتها اسرائيل لكسب تعاطف الرأي العام معها في قضية الجنود الثلاثة المختطفين، نجح النشطاء الفلسطينيون إلى حدّ كبير في تحويل الأنظار إليهم، بعدما حمّلوا صفحاتهم وحساباتهم بمعلومات توثيقية دقيقة عن الانتهاكات الكثيرة التي يمارسها الاحتلال. إذ بيّنوا أن الاحتلال قتل أكثر من 1000 طفل، واعتقل حوالى 8000 آخرين منذ عام 2000. كما أفاد الفلسطينيون من هذه الموجة لإعادة التذكير بالمعتقلين المضربين عن الطعام، أهمهم أيمن طبيش الذي يخوض معركة الأمعاء الخاوية لليوم الـ 109.