هل سبقت الأديبة العاملية زينب فواز (1845 ـــــ 1914) المصري قاسم أمين (1863 ــــ 1908) في الدعوة إلى تحرير المرأة الشرقية، هي التي أطلقت في رسائلها الشعار الشهير: «ونحن، نساء الشرق، لا يمنعنا الحجاب من التفوق والخوض في كل مجال». «الرسائل الزينبية» كانت سابقة لدعوة قاسم أمين، رائد مناصرة المرأة، وعائشة التيمورية. بل كانت أول صوت نسائي توطّن في مصر، وعبّد درب النهضة والتحرير. تُشير الراحلة إملي نصرالله في موسوعتها «نساء رائدات» (دار الكتب الحديثة-2001): «إنها (أي فواز) قبل مي زيادة وهدى شعراوي، ومن هنا تكتسب زينب أهمية الريادة، كما تسجّل مواقفها، والمواضيع التي طرقتها، وعياً عجيباً إلى مستقبل المرأة لا في وطنها فحسب، بل في الشرق عامة». 

لم يُعرف الكثير عن المرحلة الأولى في حياة زينب فواز، سوى أنها ولدت ما بين 1845 و1869 لأسرة فقيرة في تبنين (جنوب لبنان). زينب نفسها التي أرّخت لـ 456 امرأة من نساء الشرق والغرب في مؤلّفها الموسوعي «الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور»، أغفلت ـ من باب تواضع الكبار ـ ذكر أي شيء يعرّفنا إلى شخصها أو عائلتها، ما فتح الباب واسعاً أمام شهية الأساطير والمرويات الغريبة حول نشأتها ومراهقتها. إلا أنّ الثابت أنّ السيدة فاطمة الخليل الأسعد، زوجة علي بك الأسعد الإقطاعي من سلالة أسرة علي الصغير في جبل عامل، توسّمت الذكاء والفطنة في البنت الفقيرة، فتعهّدتها برعايتها. حفظت الفتاة القرآن وفهمته ليظلّ هذا التكوين الأول قاعدةً لانطلاقها الروحي والفكري واللغوي لاحقاً. صارت لزينب منزلة خاصة في قصر آل الأسعد بفضل ذكائها وخوضها لجّة الأدب والشعر. الانكسار الأول في حياة زينب كان بعد زواج أول فاشل مع سائس خيول في قصر آل الأسعد، كتبت فواز من وحيه في «الرسائل الزينبية»: «ماذا تؤثر آداب المرأة وحسن سياستها، في نَفس الرجُل السيء الأخلاق؟ فالمرأة إذا اقترنت بالرجل السيء، وأوقفت قلبها عليه وسلّمت أمرها إليه واجتهدت في مرضاته، فلا ترى منه إلا الفتور، والتمادي في طريق اللهو والغرور، فتصير كمن كتب على صفحات الماء أو تعلّق بالهواء، […] وإذا كانت الحال كما وصفتُ، فلمَ لا تفضّل حالتها الأولى على قرين السوء؟».
المرحلة الثانية، الأخصب في نتاج زينب فواز، كانت المرحلة المصرية، إذ لم تُعرف ظروف وصولها إلى «أم الدنيا»، لكنها سكنت مع آل يكن في الإسكندرية، ولفتت بذكائها حسن حسني الطويراني، صديق العائلة الأديب وصاحب مجلة «النيل». هكذا، راح يعلّمها ويُعنى بثقافتها، فدرست الإنشاء والنحو على يد محيي الدين النبهاني، والصرف والعروض والبيان على يد محمد شبلي.  أبدت الفتاة العاملية نبوغاً خارقاً ووعياً عظيماً للإفادة من الفرصة الذهبية التي أتيحت لها، بخاصة أنّ مصر كانت يومها قبلة للمفكرين وطلبة العلم، فأصدرت كتابها الأول «الهوى والوفاء» وهي مسرحية في أربعة فصول عن قصة حب تدور في العراق، لتتبعه بأكبر كتبها وأشهرها «الدرّ المنثور في طبقات ربّات الخدور» الذي شاركت فيه في «معرض شيكاغو» عام 1893 مرفقاً برسالة إلى برتا أونوري بالمر رئيسة القسم النسائي في المعرض تقول فيها: «لم أرَ هدية تُرفع للمعرض النسائي من مثلنا نحن الشرقيات، أليق وأجدر من هذا الكتاب، الذي يحتوي على تراجم النساء وطبقاتهنّ في الهيئة الاجتماعية.
«الرسائل الزينبية» كانت سابقة لدعوة قاسم أمين وعائشة التيمورية

وجمعتُ فيه من تراجم شهيرات العرب ومتقدّمات الإفرنج، وملكات الشرق والغرب، من كل أديبة فاضلة، وملكة عاقلة وخطيبة ناثرة...». طبعت فواز بعدها (1899) كتاب «حسن العواقب أو غادة الزاهرة»، ربما أول رواية لأديبة عربية، تصوّر عادات وتقاليد جبل عامل في تلك الفترة، مركزةً على قيم الخير والحب والجمال، وأتبعتها بـ «قوروش أو ملك الفرس» وهي رواية تاريخية غرامية صورت فيها انقراض مملكتي نينوى وبابل على يد الفرس والهوى. وفي عام 1904، نشرت تحفتها «الرسائل الزينبية» وهو عبارة عن مقالاتها المنشورة في صحف ومجلات زمانها وفي مقدمتها «النيل»، ثم «المؤيد»، و«الأهالي»، و«المهندس»، و«فرصة الأوقات»، و«الهلال»، و«الفتاة»، و«المقتطف»، و«أنيس الجليس»، و«لسان الحال»، و«البستان»، وضمّنتها دعوة صريحة للنهوض بالمرأة والمجتمع: «أجمع ما تشتّت من مقالاتي لاشتمالها على مباحث جليلة في المدافعة عن حقوق المرأة، ووجوب تعليمها، والنهي عن العوائد السيئة وحضّها على التقدم واكتساب المعارف، وما يتعلّق بفضائل أخلاق النساء، وما لهن من التأثير على العالم الإنساني»، كما عُرفت لها كتب ثلاثة من بعدها: «كشف الأزار عن مخبئات الزار» تنتقد فيه الخرافات والشعوذة، وكتابان أضافها السيد محسن الأمين عند ذِكر مؤلفاتها في «أعيان الشيعة» هما: «مدارك الكمال في تراجم الرجال» و«الدر النضيد في مآثر الملك عبد الحميد». الأديبة التي انطفأت عام 1914 وفي قلبها الكثير من الحنين إلى الأرض العاملية التي تنبت القمحَ والشعر  والبنادق، كانت قد دعت أبناء جلدتها وقومها إلى تأسيس الأحزاب السياسية للدفاع عن حقوقهم المهضومة ومكافحة المحتل البريطاني حينها: «وجدكم رجال الاحتلال لقمة لينة هينة المأكل فابتلعوكم»:
تستوجب آثار زينب فواز اليوم أكثر من أي وقت مضى إعادة قراءتها وطباعتها في حلة جديدة كتأصيل للتراث التقدمي العربي ولا سيما العاملي، وكتخليد لذكرى أول امرأة اشتهر اسمها في عالم الأدب والكتابة في الصحف العربية، هي التي قالت في إحدى قصائدها: «لا شيء من زينة الدنيا لساكنها سوى محاسن ما تبقيه ذكراهُ».