«نساء بلادي نساء ونصف» هكذا صرخ الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد (1955-2016) قبل سنوات ليتحوّل هذا البيت إلى شعار للحركة النسوية التونسية المتجذّرة في تاريخ البلاد ليس بعد استقلال تونس في 1956 فقط، بل منذ مرحلة المقاومة ضدّ الاحتلال الفرنسي (1881-1956). وبرزت الحركة النسوية في تونس كحركة مستقلة ذات ملامح وخصوصيّة بتأسيس «الاتحاد الوطني للمرأة التونسية» بعد أربعة أشهر فقط من استقلال البلاد، وبالتزامن مع صدور «مجلّة الأحوال الشخصية» التي كانت سابقة عربية وإسلامية في آب (أغسطس) 1956. إذ منعت تعدّد الزوجات وتزويج الفتاة من دون رضاها ودون الثامنة عشرة عاماً، وفرضت إجبارية تعليمها ومنحت المرأة في حالة الطلاق حقوقاً مادية ورعاية اجتماعية. أسّس الزعيم الحبيب بورقيبة منظومة لرعاية الأطفال المولودين خارج إطار الزواج وحقّ الإجهاض. وفي هذا كانت تونس متقدّمة حتّى على الكثير من البلدان الأوروبية التي ما زالت تمنع الإجهاض إلى اليوم.
مجلة الأحوال الشخصية التي تضمنت تعليم المرأة، وفّرت أرضية ملائمة لبروز حركة نسوية كانت الجدار الذي أوقف زحف الإسلاميّين ومحاولاتهم لإقامة دولة دينية بعد سقوط النظام السابق وصعود حركة «النهضة» إلى الحكم. وفي الحقيقة لم تقاوم الحركة النسوية الفاشية الدينية لحركة «النهضة» فقط وأسقطت مشروعها لأخونة المجتمع التونسي، بل قاومت أيضاً تعسّف الرئيس بن علي مثل «جمعية النساء الديمقراطيات» و«جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية» وهما أبرز جمعيّتين انخرطتا في الدفاع عن الديموقراطية زمن الحزب الواحد.
لقد كانت الحركة النسوية هي «الجيش المدني» الذي دافع وما زال يدافع عن الدولة المدنية ضد المدّ الديني الفاشي الذي أفاد من المظلّة السياسية التي وفّرتها حركة «النهضة» لحزام الجمعيات المموّلة من دول خليجية ورجال أعمال من منطقة الخليج لتغيير النموذج المجتمعي التونسي باعتباره نموذجاً حداثياً يحرّض المرأة على السلطة الذكورية المهيمنة ويمنحها أجنحة في عالم عربي إسلامي لا يراها إلّا وليمة جنسية أو طبّاخة بين جدران البيت.
الحركة النسوية التونسية أسّست لنموذج عربي استثنائي وتولّي سيّدة رئاسة الحكومة نصف وزرائها نساء. وبغض النّظر عن السياقات السياسية، تبقى علامة فارقة تؤكّد هذا الاستثناء التونسي الذي ناضلت النساء من أجله منذ ستينيات القرن الماضي. فحركة «برسبكتيف» اليسارية التي عانى مناضلوها قسوة السجون، ضمّت مناضلات كنّ يحلمن بالديموقراطية والعدالة الاجتماعية. يوم المرأة العالمي الذي دأبت الجمعيات النسوية على الاحتفال به له خصوصية في تونس. بعد مراكمة عديد المكاسب، ما زالت المساواة التامة (هناك مبدأ التناصف في القائمات الانتخابية البرلمانية والبلدية) في الإرث هاجس الحركة النسوية والقوى الديموقراطية بعد مبادرة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي التي أجهضتها حركة «النهضة» ومنظومتها الجمعيّاتية التي دفعت نحو التحريض على أعضاء اللجنة وتكفيرهم من منابر المساجد. معركة المساواة في الإرث ما زالت هاجساً يشغل الحركة النسوية التونسية وسيتحقّق يوماً ما.