أشخاص ربّما لا يتعدّى عددهم أصابع اليدين، من مصوّرين وإعلاميين وبعض الجهات الرسمية، حضروا أمس الأربعاء المؤتمر الصحافي الذي عقده باسل العريضي وداود إبراهيم في مقرّ «نقابة المحررين» في الحازمية، للحديث عن صرفهما تعسّفاً من قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية. كان من المتوقّع أن يكون الحضور حاشداً أشبه بعملية تضامن واسعة مع الإعلاميَّيْن اللبنانيَّيْن اللذين خسرا عملهما بذريعة «معاداة السامية». فالمسألة لا تنحصر بالثنائي، بل هي قضية حريّة تعبير بالدرجة الأولى. على الرغم من ذلك، خُذل العريضي وإبراهيم، لدرجة أنّ أحد الحاضرين همس بأنّ «موضوع الحريات بات مدعاة للخوف لدى الإعلاميين الذين يفضّلون الصمت على رفع الصوت، تحسّباً من محاسبتهم لاحقاً»!.
(مروان بوحيدر)

قبل شهر تقريباً، وصلت رحلة العريضي كمدير لمكتب «دويتشه فيله» (DW) في بيروت إلى نهاياتها. خطوة لم تتم في ظروف طبيعية، بل كانت نتيجة اتهامه بـ«معاداة السامية» من قبل الشبكة الألمانية، بعدما شنّت الصحافة الألمانية ما يشبه عملية تجسّس على مجموعة من الموظفين والمتعاقدين مع المحطة. هكذا، بين ليلة وضحاها، خسر العريضي وخمسة موظفين آخرين (ولاحقاً توسّع عدد المصروفين) عملهم، فيما لا تزال المفاجآت تتوالى في هذا الملف.
في المؤتمر الصحافي، كانت لافتةً حملة التضامن مع الزميلين من قبل نقابتَي «المحرّرين» و«المحامين» و«وزارة العمل» التي أعلنت جهوزيتها للدفاع عن قضية المصروفين. في كلمة مختصرة، استطاع نقيب المحررين جوزيف القصيفي وصف ما قامت به المحطة بشكل مفصّل، قائلاً: «من العار أن تُنحر الحرية والديمقراطية على يد مؤسسة لطالما رفعت رايتها وسعت إلى الترويج لها، دفاعاً عن غاصب ومحتل لا يعبأ بعهد أممي وشرعة أخلاقية. نطالب القناة بالعودة عن قرارها الجائر وغير المنصف الذي اتخذته بفعل فوبيا معاداة السامية المتمكّنة منها ومن اللجنة التي أوكلت إليها التحقيق، رئيساً وأعضاءً»، في إشارة إلى علامات الاستفهام التي تحيط بعمل اللجنة التي حقّقت مع الصحافيين وتألّفت من وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر والفلسطيني الصهيوني الهوى أحمد منصور.
لم يكن المؤتمر محطة لتسجيل مواقف فحسب، بل كشف بعض كواليس ما جرى. في كلمة مقتضبة، لفت داود إبراهيم إلى أنّ قضيتهما لها أبعاد مختلفة تتعلّق بحرية الرأي. وكشف أنّ أمر وطريقة صرفه مع العريضي، سبّبا لهما صدمة لناحية ازدواجية في التعامل مع القضية الفلسطينية. وأكّد ابراهيم أنّ عملهما مع الشبكة الألمانية كان وفقاً للقوانين اللبنانية التي تعتبر إسرائيل عدوّاً. وفي نهاية كلمته، لم يخفِ إبراهيم عتبه على زملائه الذين لم يساندوه في هذه القضية التي تلمس كل صحافي حرّ، بحسب تعبيره.
من جانبه، أكمل باسل العريضي ما بدأه زميله، موضحاً أنّهما لم يتلقّيا حتى الساعة ورقة رسمية من إدارة القناة حول أسباب فصلهما. وكشف العريضي أنّه تقدّم وزميله صباح أمس بدعوى أمام القضاء اللبناني ضد القناة بتهمة «الصرف التعسّفي من العمل، مطالبين بالعطل والضرر». ولفت في الوقت نفسه إلى أنّه تبلّغ صرفه من عمله كمدير لمكتب بيروت، قبل ربع ساعة من انعقاد المؤتمر الصحافي لمدير عام DW، بيتر ليمبورغ، في شباط (فبراير) الماضي، حيث أعلن صرف خمسة موظفين. وكشف العريضي أنّه لم يتسلّم بعد أيّ رسالة واضحة بحصوله على حقوقه المالية من المحطة، متحدّثاً عن غضّها الطرف عن التعاون معه وزميله وتحقيق مطالبهما المشروعة والقانونية.