منذ شباط (فبراير) الماضي، جرى الترويج لبرنامج «حروب وإيمان» (إعداد وتقديم هيام أبو شديد، إخراج مارون أبو شديد)، ليطل على شاشة otv أو اقلّه تبث الحلقة الخاصة بالعماد ميشال عون عليها. منذ ذاك التاريخ، انطفأ نجم البرنامج الحواري ليطلّ هذه المرة من نافذة lbci في 26 أيار (مايو) تزامناً مع فترة الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
البرنامج يعرض مرتين في الأسبوع (الاثنين والثلاثاء)، مخصّصاً جزءين في كل مرة لخمس شخصيات «مسيحية مارونية» وفق ما يرد: قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الجنرال ميشال عون، رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» دوري شمعون، الرئيس الأسبق أمين الجميل، ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
خمس شخصيات اختارها القائمون على البرنامج والجهات المنتجة («جمعية الكتاب المقدس» وsat 7) لتحلّ ضيفةً على البرنامج. يكفي التمعن في أسماء وخلفيات هذه الجهات المنتجة لمعرفة سبب اختيار ضيوف من طائفة ومذهب واحد. هذا في الاختيار والخلفية، فماذا عن الأهداف؟ قدّم البرنامج 6 حلقات (2 مع جعجع و2 مع الجميل و2 مع فرنجية)، أكثرها جدلاً كان الجزءان المخصّصان لجعجع. ساعة وربع الساعة كانت مدة كل حلقة تخللتها فقرات «من أنا؟» (المتحدثة عن الطفولة والعائلة)، و«هذا هو» التي ترصد مسيرة الضيف السياسية، و«أين هو؟» التي تضيء على حياته الشخصية، بالإضافة الى الفقرة الروحية والإيمانية، مع استعراض الصور والتعليق عليها في نهاية الحلقة وتقديم منحوتة للفنان رودي رحمة تجسد المسيح مصلوباً. حوار تقتطعه شهادات لشخصيات عاصرت عهد أحد الضيوف، واللافت أيضاً مرافقة صوت جاهدة وهبي شعراً وغناء لوقفات تبعث التأثر والتعاطف.
من يشاهد أولى حلقات البرنامج يعرف مسبقاً أهدافه، خصصوصاً أنّ الشخصيات المستضافة مثيرة للجدل ذات تاريخ حافل في الحروب والنزاعات. الحلقة الأكثر إثارة كما ذكرنا كانت حلقة جعجع الذي تحوّل بـ«سحر» البرنامج الى مناضل، دخل السجن بإرادته للمواجهة وهو «أعزل». لم تقف هيام أبو شديد على مسافة واحدة من ضيفها، بل زايدت عليه في أغلب محاور الحلقتين.

برنامج يقوم على
تبييض صورة الضيف وتقديسه من دون أي مسافة نقدية

بدا عليها التأثر لدى استعراض أولى أيام جعجع في السجن وكان همّها السؤال «هل خفت على صورة القائد الملوى تيابه الذي كان يدير نفراً تحت يديه والعالم بتقشعه بصورة البطل لدى اعتقالك؟». يجيب جعجع بأنه كان «متأثراً عاطفياً»، ويكشف عزمه دخول السجن ليعيش «ذاتاً مختلفة»! حديث جعجع لم يقف عند تبييض صفحته ونسف سجله التاريخي الحافل، بل تطرق الى «رحمته الواسعة» عبر المقارنة بين اعتقاله «لأسباب سياسية» وكرمه ومواقفه «الشجاعة» وعدم سجنه أحداً على خلفية آرائه السياسية، بل حصراً مَن ثبت عليه جرم ما. الحلقتان لم تخلوا من توزيع جعجع للحكم والنصائح، فهو الذي أثبتت الأيام أنه «الصح» والتاريخ سيشهد له. وهنا يأتي دور الإعلامية اللبنانية لتدخل الجوقة جعجع قائلةً: «أوقات في ناس حاملين جسمهم براسهم وهني أحرار ومش معتقلين» وتكمل بتأثر واضح: «أنت اغتصبت حريتك لوحدك».
الحديث المتسم بالوداعة، يخترقه صوت جاهدة وهبي مع موسيقى تصويرية للزنزانة الافتراضية التي أنشاها قائد «القوات» في بيته في معراب: «لو راح صوتي ما بترحل حناجركم... وقلبي معكم لو راح المغني بتضل الأغاني...». قمة المبالغة ونسف الذاكرة يتجليان في المقابلة مع المطران فرنسيس البيسري الذي كان يطل على جعجع في سجنه. البيسري وصف جعجع بـ«رجل من الرجال العظام» وشبهه بالنبي دانيال الذي حارب «جبّ الأسود». الفكرة طبعاً أعجبت أبو شديد واخذت تستعرض نضالات الأنبياء وتسقطها على جعجع: «فيك تكون النبي إيليا اللي واجه بالسيف أو متل النبي إبراهيم اللي ما قدر يكون عندو ولاد، أو النبي يونان الي بلعو الحوت». طبعاً، جعجع وقف هنا وقفة عزيز النفس ورفض كل هذه التوصيفات.
بعد ذوبانها التام في جعجع، عادت أبو شديد إلى شخصيتها في الحلقة مع أمين الجميّل (2 حزيران/ يونيو). لكنّها بالطبع لم تحد عن هدف البرنامج الأساسي الذي يقوم على تصوير هؤلاء الزعماء بأنهم أبطال ومتسامحون والتغطية على الانتقادات التي توجَّه لهم. تقرير لميلاد حدشيتي في بداية الحلقة لخّص مسيرة الجميل المتحدر «من عائلة مناضلة عرفت المآسي من النفي الى الاستشهاد». كان الجميل هو الذي يدير الدفة ويجيب على الأسئلة التي يريد، ويتجاوز تلك التي لا يراها مناسبة. من خلال الحلقتين المتتالتين، عرف المشاهدون بأنّ فترة رئاسة الجميل كانت «للخدمة العامة» وليس «للوجاهات». وفي الحديث أيضاً نكتشف أن الموساد الإسرائيلي كان يريد منع الجميل من الحكم وكان يحلم بتوقيع معاهدة سلام مع لبنان. ولم يكن تاريخ 17 أيار (مايو) سوى اتفاق على انسحاب «القوات الإسرائيلية في لبنان» بعد الاجتياح عام 1982. وفي المحصلة يتبين لنا أنّ الجميل وشقيقه بشير كانا يرفضان التوقيع مع «إسرائيل». ومع محاولات البرنامج الحثيثة على إظهار الجميّل بصورة البطل والمناضل، أصرّ هو على القول بأن «المعارك الأساسية» التي انتصر فيها «كان قائدها» ولم يستبعد خوض حرب جديدة «لأجل الدفاع عن كرامته وكرامة بلده».

* «حروب وإيمان»: كل اثنين وثلاثاء 17:00 على lbci ـ ضيف حلقة اليوم دوري شمعون




هجمة على سمر

في أيّار (مايو) الماضي، تعرّضت الإعلامية اللبنانية، سمر أبو خليل، للكثير من الانتقادات بعد عرض إحدى حلقات برنامجها «سيّد القصر» على قناة «الجديد». يومها، استضافت أبو خليل رئيس حزب القوّات اللبنانية، سمير جعجع، في إطار تسليطها الضوء على أبرز المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية اللبنانية. في تلك الحلقة، ظهرت تفاصيل عدّة من حياة السياسي الشهير، مع جولة برفقة الكاميرا على الزنزانة التي بناها في مقرّه في معراب (قضاء كسروان)، في الذكرى العشرين لاعتقاله، وتشبه تلك التي عاش فيها 11 عاماً. الانتقادات سجّلها خصوم جعجع الذين اعتبروا أنّ تخصيص مساحة لهذا الجانب هو محاولة لـ«تبييض» صورة أحد المشاركين في الحرب الأهلية أمام الرأي العام.