ماذا لو، على عكس التحرّش والضرب والقتل، هذه الأفعال المستمرّة التي يرتكبها الرجال ضد النساء، رأينا صورة معاكسة؟ تجربة في التأمل في مواجهة العنف الذي تعانيه النساء، ضراوة في سلسلة من الجرائم ترتكبها شابة ضد رجال لا يريدون منها سوى جسدها. «بلاك ميدوسا» أو «لا تسمع كان الريح» (2021) للمخرجين التونسيين يوسف الشابي وإسماعيل، يضعنا كشهود عيان على أفعال شنيعة متحيّزة جنسياً. فيلم «نوار» (noir) عربي، خرافة في تسع ليالٍ، حكاية نسوية خارقة. ندى (نور هاجري) تعاني من ضعف السمع وتعيش حياة مزدوجة. في النهار، حياة منعزلة تعمل كمحررة محتوى فيديو ولكنها تغوص بعد حلول الظلال في الحياة الليلية لتونس وتطارد الرجال لقتلهم.شريط رتيب وعنيف مع لمسات رمزية وفلسفية وألعاب نفسية وتقنية قتل تتدرّج في الشدة مع تقدم الفيلم. كل شيء مفتوح في الشريط: الوقت، المكان، رمزية القتل، أسبابها ونتائجها. «لا تسمع كان الريح» بصورته البيضاء والسوداء الأنيقة يجذبنا في الوهلة الأولى، نراقب عملية القتل الأولى مع صوت النشوة الجنسية بإعجاب وفضول. ثم بعد ذلك ننجرف طوال الفيلم بعيداً ونُترك تائهين مربكين كما لو كنا في حلم. الغموض المتكرر في الفيلم والتداخل الفلسفي في قصة الراوية طوال مدة الفيلم (قصة الرجل الذي يسقط في حفرة) لا يتركان أي خيار سوى استخلاص استنتاجاتنا الخاصة. يشير كل شيء في الفيلم إلى موضوع الانتقام، ولكنه يفتقر إلى القوة لإحداث تأثير علينا.
«بلاك ميدوسا» فيلم noir، خرافة في تسع ليال

عند انتهاء الفيلم، نخرج لا مبالين بما شاهدنا ولا مبالين بقصة ندى ودوافعها لأننا أصلاً لا نعرفها. فيلم عبارة عن سلسلة عمليات قتل لرجال من دون أي بعد آخر، قتل من أجل القتل. يمكن قراءة الفيلم على أنه نوع من تأمل سينمائي على نمط متكرر من العنف، لا يحاول المخرجان إلقاء وعظات أخلاقية أو تبرير الأفعال الجرمية أو حتى التحدث عن سلطة النظام الأبوي ورتابة العيش في تونس خلال النهار والحياة الليلية فيها. يبدأ الفيلم وينتهي من دون حتى أي تأثير. مجرد صورة جميلة بطيئة عن امرأة تقتل الرجال.