في حزيران (يونيو) المقبل، تحتفل «الميادين» بمرور عقد على تأسيسها، وتتطلّع إلى مستقبل مليء بالتجديد لناحية المضمون والشكل. وضمن خطّة البرمجة الجديدة، تُطلق المحطّة، منذ الآن، مجموعة برنامج يومية تُعرض عند الثامنة والنصف مساءً، لا تتعدّى مدّتها نصف الساعة التلفزيونية، بأشكال وهويّات منوّعة. القاسم المشترك بين هذه البرامج هو سرعة الإيقاع ورشاقة المحتوى والديناميكية، وهي ترمي أساساً إلى استقطاب جمهور جديد ــ خصوصاً الشباب ــ ينجذب إلى هذا الشكل من الإنتاجات التلفزيونية ويتفاعل معها عبر مواقع التواصل. هذا ما يؤكّده لـ «الأخبار» زاهر العريضي، المنتج المنفّذ في الشبكة التي تتخذ من بيروت مقرّاً لها. ويضيف: «متطلّبات العصر والسوق، ومواكبة لغة الشباب وطريقة تفكيرهم، كلّها عوامل تفرض هذا الأمر». مشيراً إلى أنّ المواكبة تقترن بـ «التشبيك بين التلفزيون التقليدي والفضاء الإلكتروني، من دون أن يلغي أحدهما الآخر. لا بل على العكس، قد يسهم ذلك في تعزيز دور الشاشة الصغيرة». في هذا السياق، انطلق أمس برنامج «في المعادلة» (مع محمد فرج)، على أن يشاهد الجمهور اليوم «هذا ما حدث» (هبة محمود). أما غداً الخميس، فيطلّ بيار أبي صعب ضمن برنامج «في كلّ الأحوال»، ليتبعه «لا شيء مستحيل» الجمعة (لانا مدور)، وVerdades السبت (مايا رزق)، و«من الداخل» الأحد (زينب الصفار)، و«بإيجاز» في 28 شباط الحالي (راميا الابراهيم).

إطلالة بيار أبي صعب أقل ما يقال فيها إنّها العنصر الجديد في هذه البرمجة. سألنا زميلنا لسنوات في «الأخبار» ما الجديد الذي يحمله؟ وما الذي أخذه إلى التلفزيون بعد عقود في الصحافة المكتوبة؟ آتياً من عالم الثقافة والأدب، اشتغل بيار أبي صعب، منذ منتصف السبعينيات على رصد الحركة الإبداعية وأشكال التعبير الثقافي والفني في العالم العربي. بين باريس ولندن وبيروت، عمل في صحف ودوريات عدّة، من بينها «السفير» و«الحياة». تولّى الصحافي الذي حرص على الانخراط في مشروع تجديد أدوات الصحافة الثقافية في العالم العربي رئاسة تحرير «زوايا» التي أسّسها عام 2002، قبل أن يشارك بعد ذلك بأربعة أعوام الراحل جوزيف سماحة والزميل إبراهيم الأمين حلمهما تأسيس «الأخبار» التي غادرها أخيراً بعدما شغل منصب نائب رئيس تحريرها لسنوات.
وبعدما طوى هذه الصفحة، ها هو أبي صعب يخوض تجربة جديدة، بعيداً من الصحافة المكتوبة التي تسكنه. «عيناي شاخصتان إلى التلفزيون منذ زمن. أنا أساساً خرّيج مسرح وفنون مشهديّة، عملت طويلاً في نقد لغة الصورة في الفن والميديا. كانت علاقتي بالشاشة الصغيرة عابرة، إذ خضتُ، هنا وهناك تجارب تلفزيونية، في مراحل مختلفة من حياتي أثناء عملي في الصحافة المكتوبة، لم تتخط الحلقات التجريبيّة غالباً. واختبرت التلفزيون في العقد الأخير ضيفاً على الشاشات، أو محاوراً ومعداً». تلقّى بيار عروضاً خلال السنوات الماضية، لكنّ تضافر عوامل عدّة الآن جعله يقدم على الخطوة الحاسمة، «بعدما منحني مدير عام شبكة «الميادين» الزميل غسان بن جدّو هذه الفرصة. قلت لنفسي: حان الوقت الآن». وتجدر الإشارة إلى تجربته في التجربة الحوارية الوثائقية «هذا هو إسمي – أدونيس» التي خاضها مع المحطة نفسها عام 2018، وصدر الحوار في كتاب عن «دار الآداب».
برنامج «في كلّ الأحوال» (منتج منفّذ: زاهر العريضي ــ مساعدة منتج: رنا كوثراني ــ مخرجة: بولا حملايا ــ مونتاج: علي الحاج ــ فريق السوشال ميديا: فاطمة كرنيب وزينب ناجي)، لا يرى بيار أبي صعب أنّه يشكّل قطيعة في مساره المهني: «أشعر أنّ البرنامج امتداد لكلّ ما أنجزته حتى الآن. ومعيار النجاح يكمن في القدرة على مدّ جسر مع الجمهور».
حين نسأله عن اسم البرنامج المؤلّف من أربع فقرات، يسارع إلى القول إنّه اختير بطريقة عفوية «خلال نقاش مع غسان بن جدو الذي استعمل العبارة في حديثه. تبنيتها على الفور، وجدت أنّها تعكس فكرة البرنامج، وهي تعبير «ديمقراطي» يكرّس الاختلاف، ويلطّف حدّة النقد... فالسجالات الصاخبة يجب أن تنتهي بطريقة هادئة!».
بما أنّه برنامج أسبوعي، سيتناول أحداثاً عربيّة منوّعة (أو تخصّ العالم العربي) غير مرتبطة بالحدث المباشر، على أن يعلّق عليها بطريقة سجالية نقدية ومثيرة للجدل «على طريقتنا». تتنوّع القضايا بين السياسية والوطنية والفنية والثقافية والاجتماعية والإنسانية وعالم النيوميديا... يقول أبي صعب إنّه سيختار مواضيعه «بشيء من الذاتية، وفق حساسيّتي» (...) «وسأعلّق بأسلوبي، ضمن أطر مهنية ومضمون تلفزيوني جذّاب». بين طموحاته المضمرة: «الوصول إلى جمهور جديد، قد نستقطب بعضه من خارج الجمهور المعهود للمحطّة».
ولا يجد مانعاً من الاختلاف مع ضيوفه حول موقف معيّن، «بالعكس، لا بد من إفساح المجال أمام «الرأي الآخر» هذه العبارة التي أسرف كثيرون في تجريدها من معناها... «في كلّ الأحوال» سيرصد ما يجري على الساحة العربية، ومن ثمّ يعلّق عليه بطريقة تبتعد عن السائد ولا تخلو من التهكّم الذي يشتهر به أبي صعب.
في حلقة الغد، سيطرح البرنامج موضوعاً سياسياً يرتبط بإسرائيل والانتخابات اللبنانيّة، وآخر عن الديمقراطية والإعلام، إضافة إلى «التطبيع» عبر الميديا، وموضوع متعلّق بالسياسات القمعيّة في شبه الجزيرة، تحت لواء «التقدّم».
عن القالب البصري، سألنا زاهر العريضي الذي يؤكد أنّه «نحاول تقديم شيء يشبه كراكتير بيار الذي يُعتبر شخصية متفرّدة. سيعلّق وينتقد، والموضوع قائم على رأيه وأسلوبه وطريقته في الكلام والتهكّم ومقاربته للأمور». يختصر العريضي الأمر بأنّ «في كلّ الأحوال» مرتبط بشخص بيار أبي صعب، لذلك «كان ضرورياً اعتماد إطار بصري قريب منه ويشبهه، غير أنّنا حرصنا في الوقت نفسه على الابتعاد عن الإبهار... أردنا شكلاً عفوياً وبسيطاً».
يبدو أنّ «الميادين» تعوّل على هذا العمل الذي يُعدّ نوعاً جديداً بالنسبة إليها: «هي تجربة جديدة بالنسبة إلى المحطة وإلى بيار على حدٍّ سواء. هذا برنامج يُبنى عليه، وقد يحتاج إلى وقت ليأخذ موقعه، لأنّنا نعمل عن طريقه على كسر النمطيّة».
ويختم العريضي حديثه، مشدّداً على فكرة أساسيّة في نظره «نحاول أن يكون هذا النمط من البرامج شبيهاً بنبض «الميادين» ومختلفاً عن تجارب قُدّمت على شاشات أخرى». في «في كلّ الأحوال»، التعليق يجري بـ «طريقة بنّاءة ونقدية... الطرح مدروس ومحترم وحرّ. التهكّم والسخرية حاضران لكن بأسلوب بيار، بعيداً عن الشخصنة والإساءة والتجريح».

* «في كلّ الأحوال»: غداً الخميس ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً بتوقيت القدس على «الميادين»