مراهقَة مؤجّلة

  • 0
  • ض
  • ض

هناك فنانون تشاء الصدف الزمنية والسياسية والتاريخية أن يكونوا أكثر من صوت. سامي كلارك أحدهم. للنقّاد كلمتهم في خامته الصوتية وإنجازه الغنائي وإسهاماته في مجال الأغنية اللبنانية، وللتاريخ كلمته أيضاً. لكن بالنسبة إلى جيل السبعينيات والثمانينيات، يصعب التعاطي مع سامي كلارك، بحيادية وبرودة. هذا الصوت كان أشبه بوعد لجيل عاش تحت وابل القصف، وأصوات القنابل والقذائف وأزيز الرصاص وحواجز الموت. كان صوته وعداً بأيام أجمل، بطمأنينة آتية لا محالة، بـ «استراحة» بين معركتين، لحياة أُوقف جريانها في انتظار فتح المعابر. «لوك» عصري، و«ستايل» على الموضة، و«فذلكات» موسيقية غربية، وطفولة محاصرة أو مُراهَقة مؤجّلة تزداد جموحاً في انتظار الإفراج عنها... صورة وصوت وأيقونة بوب «شببلك»، غذّت ذاكرة جيل في أزقة المدينة وشوارعها ظهيرات أحد رتيبة. من «آه آه على هالايام»، «قلتيلي ووعدتيني»، «قومي تنرقص»، «آه يا تمارا» إلى «أرضي أرض البطولة» (وطبعاً شارة «غرندايزر»)... أغنيات رومانسية ووطنية وغيرها من الأصناف، لن تحيل هذا الجيل إلا على ذاكرة مشوّشة ومشوّبة بالنوستالجيا، تستعصي فيها معرفة مصدر الحنين: إلى زمن صعب، أو إلى ذلك الصوت الذي نبت على هوامش الزمن الضنين. ومع أنّ سامي انسحب قبل الانسحاب الأخير، مع فورة الفضائيات والنجوم الذين بدأت روتانا والبرامج الغنائية بتصديرهم كالفطر منذ التسعينيات ليطووا حقبة وزمناً فنياً ما عاد يصلح لـ «مرحلة السلم وإعادة الإعمار»، ويعلنوا على أنقاضه تباشير عصر جديد، إلا أنّ رحيله المفاجئ أمس، كان أشبه بعملية اقتلاع لجزء أساسي من الذاكرة... حداد على مرحلة بسياقاتها الفنية والتاريخية والاجتماعية، شكّلت المخزون العاطفي الأكبر في وجدان وشخصية جيل. تنبّهنا فجأة إلى أنّ «غرندايزر» ما عاد بيننا. صوت الطمأنينة الآتي وسط أزيز الرصاص، خرج فجأة من ركن الذاكرة وأوصد الباب وراءه.

0 تعليق

التعليقات