هل تنتظر دمشق كأس العالم لكرة القدم هذا العام، كما كانت تفعل في مثل هذا الوقت قبل أربعة أعوام؟ وهل سيخطر في بال رجل أربعيني أن يستمتع بوقت لا يتكرّر دائماً، كما كان يفعل سابقاً على شرفته المطلّة على ساحة العباسيين الشهيرة؟ يعلّق أعلام الفرق التي تتنافس على المستطيل الأخضر، بينما يُراهن أبناؤه على العلم الذي سيبقى مرفرفاً على الشرفة حتى آخر البطولة. ثم هل من مكان لحالة فرح مؤقتة مدّتها تسعون دقيقة وسط جنون الحرب والموت اليومي؟ لا بد أنّ ذلك سيحصل وإن كان «حزام دمشق العشوائي» الذي كان يُعنى أكثر من غيره بـ«لعبة الفقراء» صار ركاماً. لا يزال هناك من ينتظر مونديال 2014، ولو اختلفت الظروف وغابت الطقوس المعتادة للاحتفالية الكروية. الأكيد أنّ حشود سوريا لن تفوّت على نفسها متابعة المباريات.
لكن الشام اليوم بلا أعلام المونديال، لا لأنّ الجماهير تخلّت عن فرقها المفضلة، أو لأنّ الوضع المعيشي لم يعد يسمح بهذه الرفاهية. «بسبب حالة الخوف والحذر التي يعيشها سكان دمشق صارت تجعهلم يحسبون ألف حساب لكل شيء»، على حد تعبير أحد الصحافيين السوريين الشباب. ويتساءل هذا الأخير: «إن كانت كأس العالم ستبدأ غداً، فلماذا لا نرى أعلاماً أو مؤشرات على ذلك سوى في عدد محدود جداً من المقاهي المعروفة مثل الروضة وساروجة؟». لا يتمكن الصحافي من حبس ضحكة طويلة، قبل أن يقول: «وهل يجرؤ أحد اليوم على رفع أعلام الدول الداعمة للإرهاب؟». يصمت قليلاً ثم يكمل بتأثّر بالغ: «هذه ليست مزحة، لأنّ الناس هنا صاروا يتوجسون من كل صغيرة وكبيرة».
أما لاعب الكرة المعتزل مأمون العامر (اسم مستعار)، فيقول إن «الهاون العشوائي سيجعلك في خطر، لذا لن تتمكن من الاسترخاء ومتابعة المباريات بمتعة». وبخصوص ظاهرة الأعلام المختفية، يضيف: «الاعتبارات السياسية التي قد ترتبط بتشجيع بعض الفرق تشكّل قلقاً لدى المشجعين. الهتافات والأعلام التي تمثّل هذه الدول قد تعرض المشجع للمساءلات والتهم، لأنّ سوريا الآن في موقف معادٍ لدول عدة راعية أو مشاركة في المونديال». ويعتبر أنّه «لا يمكن التنبؤ برد الفعل الذي سيواجهه شخص يرفع علماً أو يعبّر عن موقفه تجاه اللعبة. وقد يصبح هذا الشخص عرضة لتهم، كالعديد من التهم غير المنطقية التي تجابه مدنيين قاطنين في دمشق أو في الداخل السوري بشكل يومي».
الفكرة نفسها يكرّرها زميله الطبيب الذي يقول إنّ «المسألة لا تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بل تشمل جميع أنحاء سوريا، حيث لا نعلم حتى الآن ما هو موقف الجماعات الإسلامية من هذا الموضوع».
في المقابل، ينتفض بعض المغالين بأنّ «من العار رفع أعلام الدول الاستعمارية في بلاد العرب، بينما تُفتك شعوبنا بسبب مؤامرات حكومات وزعامات تلك البلدان». لكن معظم هؤلاء لم يُتح لهم قراءة شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش في النص الذي كتبه عام 1986 عن أسطورة كرة القدم الأرجنتيتي، دييغو أرماندو مارادونا، عشية فوز بلاده على إنكلترا بهدف سجله الأخير بيده. ومن بعض ما قاله: «لمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجّج فينا عطش الحاجة إلى: بطل. بطل نصفّق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه ـــ وعلى أملنا فيه ـــ من الانكسار؟».