منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، لم تبتعد المغنية اللبنانية ريما خشيش طويلاً عن خشبة المسرح. صاحبة الموهبة المتفرّدة التي تشبّعت صغيرةً بالتراث الأصيل، وبرعت في أداء الموشّحات والأدوار الصعبة والقصائد، قبل أن تختار من ريبرتوار الأغنية العربية الأصيلة بعضاً من أهم روائعها لتُعيد تقديمها في قالب جازي، كيف أمضت عامي العزلة اللذين فرضهما كورونا؟ وماذا عن مشاريعها؟ وهل فكّرت في العيش خارج لبنان مع الانهيارات الاقتصادية والسياسية والمعيشية التي يشهدها؟ تقول لنا خشيش: «ما زلنا نعيش بين متحوّر وآخر في ما يتعلّق بفيروس كورونا. لم نتخط هذه المرحلة بعد، ولم أتغيّر شخصياً، لكنّ علاقات البشر تغيّرت. أنا ممن يثّمنون قضاء الأوقات مع العائلة والأصحاب الذين نحبّهم، وحالياً بات هذا الموضوع مقدّراً بصورة أكبر وبتنا نعرف قيمته أكثر، مثل أن نصافح شخصاً نحبّه أو أن نعانقه، هذا ما حُرمنا منه. أجمل ما في حياتي في فترة كورونا الأولى، كان رؤية شجرة وهرّة، والطبيعة كانت المهرب الوحيد خلال السنتين المنصرمتين. كنت أهرب إلى الطبيعة، خصوصاً أنّ كل شيء توقّف من حفلات ومسارح وصالات سينما. لم تتغيّر شخصيتي ولكن تغيّرت طريقة حياتي لأنّنا أُجبرنا على اتباع طريقة حياة جديدة».
بعض الفنانين فقدوا الرغبة في الغناء خلال فترة كورونا، وبعضهم الآخر أخذته أفكار وجودية حول معنى وجدوى الحياة، أمّا خشيش، فتقول إنّها لم تفقد الرغبة في الغناء: «عندما أفقد الرغبة في الحياة، قد أفقد حينذاك الرغبة في الغناء. حياتي مرتبطة بالغناء ولا يمكنني أن أتخيّلها من دونه». ترى خشيش أنّ الغناء من أعظم ما يصل إلى كلّ الناس بغضّ النظر عن المكان واللغة والنّوع. وبالنسبة إلى وسائط الغناء الجديدة، تقول: «أنا كلاسيكية في موضوع الوسائط، مع العلم أنّني خرجت من الكلاسيكية في النوع الغنائي الذي أقدّمه. قدّمت ما هو غير كلاسيكي، لكنّني ما زلت أسجّل بطريقة حيّة مع الموسيقيين، نختار قاعة تراعي الأصوات ونسجّل كما كانوا يسجّلون في الموسيقى الكلاسيكية. من هذه الناحية، أفضّل الطريقة القديمة وهي أصعب لكنّها أجمل، وتترك ما هو أصيل وحقيقي في الموسيقى. أفضّل الآلات الأساسية والوسائل الموسيقية القديمة».
وعن استخدامها مواقع التواصل لنشر أعمالها، تقول إنّ كلّ ألبوماتها الغنائية متوافرة على كلّ المنصّات (يوتيوب، سبوتيفاي، ديزر...). وعمّا ما إذا كانت تغني على مواقع التواصل الاجتماعي، تُجيب: «لم يحصل أن نُقلت لي حفلة مباشرة عبر مواقع التواصل. أحبّ أن يحصل هذا يوماً ما بالتأكيد، ولا أحبّ على الإطلاق أن أسجّل لنفسي في البيت، وأنا أغني في المطبخ أو في مكان آخر وأعرض مقاطع غنائية عبر مواقع التواصل. لا أجد أنّ لديّ رغبة بالقيام بهذا الموضوع». نتساءل كيف استعادت خشيش عافيتها النفسية لتعود إلى عالم الحفلات والمسارح؟ وكيف كان تعاطيها في أول حفلة خلال قيود كورونا. تُجيب: «أول حفلة لي كانت في مدينة زوتفن في هولندا مع عازف الكونترباص طوني أوفرووتر الذي أعمل معه منذ عشرين عاماً وعازف الكلارينت مارتن أورنشتاين الذي أعمل معه منذ عشر سنوات. كانت أطول مرة في حياتي لا ألتقي بهما ولا أعتلي خشبة مسرح. في التمرين الأول حينما وصلا وفتحا آلتيهما، شعرت بأنّني في بيتي في تلك اللحظة، كأنني طُردتُ من بيتي فترة طويلة وعدت في تلك اللحظة. شعور رائع وعظيم للغاية». بعد حفلة زوتفن، عادت ريما إلى بيروت لتسافر مجدداً إلى هولندا لتقديم ثماني حفلات ضمن مشروع جديد مع «أهم فرقة كورال أكابيلا في هولندا «كابيلا أمستردام»، وكنت مع مغنية من البوسنة ومغنٍ من المغرب. حمل المشروع عنوان «البحر» وغنّيت بعض الموشحات وأعمال سيّد درويش، وآمل تقديم هذا المشروع في لبنان يوماً ما. آسف أنّني أقوم بمشاريع عدّة في الخارج في حين لا أستطيع تقديمها في بيروت. قدّمت مسرحية مع ربيع مروة وكنت وحدي على المسرح بعنوان «ريما كامل» على مدى سنة ونصف السنة في ألمانيا ولم أستطع عرضها في لبنان. وبعد ذلك، قدّمت حفلتين في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في دورته الأولى في جدّة وحضّرت برنامجاً أقدّمه للمرّة الأولى هو تكريم للسينما الغنائية المصرية الكلاسيكية من خلال المطربات الممثلات والممثلات اللواتي غنّين في الأفلام. والبرنامج كان عبارة عن أغاني أفلام لهدى سلطان، وليلى مراد، وشادية، وسعاد حسني، وأم كلثوم وغيرهن... آمل أن أقدّم هذا البرنامج في بيروت أيضاً».
تعمل على ألبوم دويتو مع البايس كلارينيت


في مشاريع خشيش ألبوم دويتو مع البايس كلارينيت. «سبق أن قدّمنا حفلتين معاً. ومع حلول الربيع، أكون قد انتهيت من التسجيل وسأحاول العمل على تقديم أغنيات السينما في بيروت، وألبومي الأخير صدر قبل جائحة كورونا مباشرة، حمل عنوان «يا ليت» ولم أقدّمه في بيروت للأسف، وهو عمل مختلف لا يشبه أي عمل قدّمته في السابق ويتضمّن أغنيات «باروك» والتأليف لهولندي وآخر فرنسي مع كلمات باللغة العربية ومع theorbo ((آلة وترية تعزف نقراً كانت تستخدم في عصر الباروك وما قبل) وبايس كلارينت. أحبّ تقديم هذا العمل في بيروت. هناك الكثير من الأعمال أتمنى تقديمها في بيروت. اشتقت للجمهور في لبنان. هناك إحساس وسعادة في حفلاتي في لبنان، لا يشبهان أي شيء آخر». وتختم خشيش بالقول: «إنّ الحياة في لبنان تزداد صعوبةً، لكنّني لا أتخيّل نفسي أعيش خارجه، ولن أكون سعيدة أينما ذهبت، حتى لو كانت شروط الحياة أكثر راحة.ما يساعدني على البقاء هو أنّ عملي خارج لبنان، ما يعني أنّني أستطيع القيام بما أحبّ وأواصل العيش في لبنان في الوقت نفسه».