أفضل من قدّم مسلسلاً شعبياً
أيمن زيدان *
أولاً التوقّف عند تجربة هذا الرجل عند رحيله، تستحق الثناء. لأنّ مسيرته مضيئة بالتّجربة رغم كل الملاحظات وتباين الرأي من وجهة نظري. لم تكن علاقتي به مهنية طويلة الأمد. عملت معه مرّتين على ما أذكر الأولى، في «الخشخاش» والثانية في جزأين من «باب الحارة»، لكن كان يومها المخرج عزام فوق العادة، ولم يحدث بيني وبينه تلامس. كان دوره هو فقط الإشراف. في كل الأحوال، أعتقد بأن له تجربة نذكرها جيداً في الدراما التاريخية. هذا الرجل تهمني فيه نقطتان: الأولى هي رحلة طموحه. كما يُقال، هو من أُولئك الذين صعدوا السلّم خطوةً خطوةً. وحقيقة في حياته المهنية، هناك رحلة كفاح حتى وصل إلى الخيار الذي وجد نفسه فيه، وقد اصطلح على تسميته بالدراما الشامية بغض النظر عن الموقف الفكري من تجاربه. لكن لا شك في أنّه يُحسب له أنّه أفضل من قدم الحكاية الشامية على مستوى الإيقاع والسّرد الحكائي. كان يستطيع أن يصنع عملاً شعبياً بامتياز على مستوى المتابعة، وهذه تُحسب له بشدة، لأنها تحتاج إلى موهبة من نوع خاص. يمكن له أن يروي المسلسل الشامي بطريقة جذّابة وحرفية على المستوى الشعبي. كان أمهر من يصنع مسلسلاً شعبياً متميزاً، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، إضافة إلى براعته في صوغ كركترات شعبية ببناء متين تمكّنت من الصمود في الذاكرة لوقت طويل! المسائل الأخرى فيها وجهات نظر متباينة، لكن يبقى أفضل من صنع مسلسلاً شعبياً بامتياز. رحيله خسارة وأي رحيل لتلك القامات هو خسارة في هذا الزمن القحط. العزاء بأن أعماله على المستوى الشعبي ستبقى حاضرة لسنوات طويلة.
* ممثل سوري


رمضان حزين هذا العام
شكران مرتجى *
لا أعلم بماذا يجب أن ننعى الراحلين. كلّما غاب أحد من هذا الوسط، يغيب شيء منّي شخصيّاً، ومن ذكرياتي. كأننا صرنا نتفكك قطعة قطعة وصولاً إلى إحساسي بالتلاشي. بالنسبة إليّ، بسام الملا أستاذ. قبل أن أكون ممثّلة كنت متابعة لأعماله وكنت أتمنّى أن أكون جزءاً من حكاياته. وعندما صرت جزءاً من «باب الحارة»، كنت سعيدة وفخورة، رغم كلّ القصص التي حصلت واختلافات الرأي حول العمل. لكن كانت بصمته الخاصة في أرشيفي. برأيي، الشام اليوم يتيمة، وزعلانة وبيوتها وحاراتها أشبه بضوء ينطفئ. لا أعلم في رمضان هذا العام ماذا سيحدث، لأننا تعوّدنا بأن بسام الملا هو من يُشعله.
فلترافقه الرحمة وليسكن العزاء قلب عائلته الصغيرة وجميع محبّيه وعائلته الكبيرة من الجمهور. على صعيد شخصي، لا يمكن نكران فضله عليّ وصوغ جماهيريّة عالية من خلال حضوري كجزء من حكايته. نفسها الحكاية تقبع اليوم في مكان معتم حزينة يتيمة. فقد غاب صانعها وعرّابها للأسف. إنها رحلة الحياة العبثية التي تنتهي بالموت!
* ممثلة سورية

امتلك مفاتيح الشارع
وائل شرف *
شهادتي بالأستاذ بسام مجروحة لأنه على مدى سنوات العمل منذ 2004 من «ليالي الصالحية» إلى 2015 مع نهاية الجزء السابع من «باب الحارة»، كان شريك درب وصانع نجاح.
عمر طويل مضى. حلقاته كانت أشبه بحكايات شيّقة. اليوم وأنت تعرفني لا أمتلك القدرة عن الحديث المفاجئ. ولا أعرف كم سيهم الناس ما سأقوله. لكن المناسبة تقتضي. الرجل كان شخصاً عارفاً بتفاصيل شارعه، يمتلك شيفرة خاصة. يعرف متى سيغرق الجمهور بجرعات مفرطة من العاطفة. أظن أن ما يميز أعماله أنها تحتوي على الكثير من العاطفة التي كانت تؤتي ثمارها لأنها توضع في سياق مناسب جداً، إضافة إلى جاذبية حكايته ومعرفته العميقة بحال الجمهور. كان حكيماً يطبّق مقولة ذهبية تقول «رحم الله امرئ عرف قدر نفسه فوقف عنده». مرة قال لنا بأنه يخاف العمل في السينما أو استخدام العدسات. هو كان يعمل تلفزيونياً ولم يغامر في مجال لا يعرفه. يعرف تماماً ماذا يريد، وينجز ببراعة لا تنافس ضمن ما يعرف. هذا سرّ بسام الملا. ولو كان الفن أبلغ وأقوى وقادراً على هزيمة الموت، لكنّنا سنلوذ دوماً في مثل هذه الظروف بجمل الغفران والرحمة والسكينة لروحه والعزاء للجميع!
* ممثل سوري

كانت... ابنته!
مصطفى الخاني *
رحيل بسام خسارة للجميع، على الرغم من اختلافات وجهات النظر معه، إلا أن الطابع الإنساني الذي يمتلكه يختلف عن جميع من يعمل في هذه المهنة. بسام الملّا بدون شك له فضل كبير عليّ. الفضل الأكبر والأول في مهنتي كان للراحل حاتم علي لتقديمي في مسلسلات من أعماله. والفضل الثاني يكون للأستاذ بسام الملا منذ سنة 2008 في الجزء الرابع من «باب الحارة»، الذي شكّل نقلة في مسيرتي المهنية.
علاقتي به خاصة واستثنائية. فقد جمعتني به صداقة كبيرة، وكنت الأقرب إليه. على الصعيد الشخصي، كنت المقرّب إلى درجة تبادل الأسرار، وتربطني به لحظات دافئة في مشوار يومي أو شبه يومي في وقت تواجده في الشام حصراً بعد منتصف الليل، على الرصيف في ساحة الصبارة. كان يتحدث عن الشام بإحساس أنها ابنته، وتستمر سهرتنا حتى الصبح. يحكي لي دائماً عن ألم هذه المهنة التي بقدر الحب المُكدّس لها داخله، بقدر ما كرهها بسبب من يعمل فيها.
حصل خلاف مهني بيننا في الجزء الخامس من «باب الحارة» رغم أنه لم يكن إلا مجرد مشرف ورقياً بسبب وضعه الصحي وقتها. تركت العمل معه ووصلنا إلى مرحلة كبيرة من الخلاف، رغم أنه صديقي الأقرب. طلب بصراحة أن نفصل الخلاف المهني عن الود والصداقة وهذا ما حصل!
شخصيتي «النمس» في مسلسل «باب الحارة» حققت نجاحاً يَصعب على أي شخصية تلفزيونية أن تصل إليها لأنها لامست سقف النجاح. ولا شك في أنّ له فضلاً كبيراً بملاحظاته وتوجيهاته وتبنّيه أي اقتراح كنت أقدمه على الرغم من أنه شخص صارم في التصوير ويطلب من الجميع الالتزام بالنص لكنه كان مختلفاً معي.
* ممثل سوري

حنون وكاريزماتي
زهير الملا *
أجرّب العمل على كتابة السيناريو منذ ثماني سنوات. لكن قبل 25 عاماً، وقعت حادثة بيني وبين عمّي الراحل بسّام الملّا كانت هي الدافع للإصرار والعودة للكتابة. أعتقد ضمنياً بأنني أمتلك موهبة معينة وبحاجة إلى صقل في مجال السيناريو. أول مرة ذهبت فيها للعم بسام، كنت في الصف التاسع، وقد أنجزت فكرة رواية اسمها «يجب ألا يعيش». في ذاك الوقت، كان يعمل على مسلسل «أيام شامية» الذي حطّم الأرقام القياسية. وكنت أعتبره قدوة وأباً روحياً، خاصة أنّ علاقته بوالدي الراحل أي أخيه كانت قوية جداً. تحدثنا عن فكرة الرواية، فقال لي وقتها: «الكتابة أشبه بالصناعة ولا أعتقد مِن عائلة الملا من يمتلك هذه الموهبة». وبسبب هذه الكلمة ابتعدت عن المهنة لمدة 25 سنة ظلت حلماً بالنسبة إليّ منذ الطفولة. اشتدت أمور الأزمة ولم يعد هناك مجال لأكمل عملي في مهنة الورد والتزيين التي كنت أشتغل فيها. لكن بقيت مسكوناً بالتأليف والكتابة. اشتغلت على فكرة وبعت مسلسلاً لكنه لم يُصوَّر ثم أنجزت الكثير من الأعمال ولم تُصور. بعدها ذهبت إلى بسام بعمل كنت قد كتبته بعنوان: «تحت عش الياسمين». لاحقاً سُمي «البيت الممسوك» اشتراه رائد سنان. طرحت على عمّي فكرة مسلسل عصري وبيئي من خلال كتاب يقع في يد عائلة. أعجبته الفكرة، لكنه ظل مصراً على أنني غير قادر على معالجتها. لم يكن يقرأ لي وكنت مصراً على أن يقرأ، لكن تراجع وضعه الصحي منع ذلك. ما أريد أن أقوله بأنه صار عندي نصوص طور التصوير مع شركات كبيرة، وقد أُنجزت بهدف وحيد هو إثبات جدارتي أمام نفسي وأمام بسّام الملّا!
شهادتي فيه تبدأ من أنه رجل حنون جداً وكاريزماتي بشكل غريب، إلى درجة جعلنا نتمنى أن نصبح نسخة منه، على الرغم من أنه كان قاسياً معي حتى أعتمد على نفسي. وفعلاً في النهايات حصل ما كان يسعى أن يراه بي. كنت أفهم بعض الأمور على أنها تقصير بحقي، علماً أنني لم أعمل معه إلا قليلاً جداً ككومبارس ناطق في «باب الحارة». كُنت مُستبعداً دائماً. عند سماع خبر تراجع وضعه الصحي، أمضيت أربعة أيام أبكي كطفل صغير بجانبه، وكل شيء يذكرني به. كنت أتمنى أن يتابع أعمالي وأسمع رأيه. من نوائب القدر أن يرحل في يوم ميلادي ليظلّ كلّ شيء في حياتي مرتبطاً به.
* سيناريست وممثل سوري