لا يُعتبر خبر توقّف إذاعة رسميّة عن البثّ أمراً عادياً في أيّ بلد. لكنّه في لبنان، يُصبح خبراً قد لا يستدعي حتّى توقّف القارئ ولا حتّى المسؤولين، فـ «بهالبلد كلّ شي بيصير» (من مسرحيّة «المحطة» للأخوين رحباني) على قول الرّاحل جوزيف ناصيف. لم يعد مستغرباً، والحالة هذه، أن تطفو إلى السّطح معاناة المؤسّسات والقطاعات الرّسمية من مشكلات جمّة في تأمين الكهرباء أو الإنترنت، بهدف مواصلة عملها بشكل طبيعي. تطالعنا تلك المشكلات يوميّاً، من هنا وهناك عن تجمّد عمل مؤسّسة ما لفترة بسبب نقص المازوت أو انقطاع الإنترنت.
هذه المرّة كان مبنى «وزارة الإعلام» (التي تضمّ مكاتب «الإذاعة اللّبنانية» و«وزارة السياحة»، و«الوكالة الوطنية للإعلام»، و«المجلس الوطني للإعلام» وغيرها) الكائن في منطقة الصنائع في بيروت، نجم الحدث بامتياز، وتحديداً «الإذاعة اللّبنانية». أوّل من أمس الأحد، اتّجهت الأنظار نحو مبنى الوزارة الذي غرق في سوادٍ حالك على إثر الانقطاع الكلّي للكهرباء. أمر أدّى إلى توقّف بثّ الاستديوهات الرّسمية في «الإذاعة اللّبنانية» (على موجتي 98.1/98.5) بقسمَيها العربي والأجنبي، على إثر نفاد الوقود الذي يغذّي مولّدات كهرباء مبنى الوزارة. فمن المعروف أن مولّدات «تاتش» و«أوجيرو» تغذّي الوزارة وتوابعها، لكنّ غرق المبنى في السّواد بعدما توقّفت تلك المولدات عن العمل، إضافة إلى توقف أجهزة الـ Ups أيضاً، ما أغرق المبنى في ظلمة لم يعهدها من قبل، اللّهم باستثناء أيام الحرب الأهلية!
هكذا، قُطع بثّ الإذاعة قرابة ساعة متواصلة، قبل أن تعود دورة العمل إلى طبيعتها بعدما تمّت تغذية الوزارة بخطّ كهربائي ثان بديل عن ذاك الذي تستعين به.
مشكلات ماليّة وضعف إرسال وتراجع موجات البثّ


هذا الارتباك دفع ببعض موظّفي الإذاعة إلى رفع الصّوت عالياً، علّ أحداً يسمعهم، بخاصة أنّ لدى الإذاعة مكانتها الخاصة في وسائل الإعلام المسموعة، إذ إنّها تعتبر شاهداً حيّاً في ذاكرة اللّبنانيّين لأنّها عاصرت أهمّ المراحل الفنيّة والإعلامية في لبنان. تحتفظ الإذاعة (التي يعود تأسيسها إلى ثلاثينيّات القرن المنصرم) في مكتبتها بآلاف التسجيلات من برامج مختلفة تؤرشف تاريخ لبنان المعاصر، إضافة إلى مواد موسيقيّة وغنائيّة ومسلسلات نادرة لكبار الفنّانين العرب واللبنانيّين. ورغم تراجع العمل الإذاعي في السنوات الماضية على إثر انتشار السوشال ميديا والصعوبات المالية والاقتصادية في لبنان، إلا أنّ «الإذاعة اللبنانية» تحاول الصمود و«التنفّس» لكن بصعوبة.
بعدما غرقت «وزارة الإعلام» في العتمة وانتشار الخبر على صفحات السوشال ميديا، بدأ الحديث عن أسباب تلك المشكلة وكيفية معالجتها منعاً لتكرارها. في هذا الإطار، يلفت مدير عام وزارة الإعلام حسّان فلحة في اتّصال لنا إلى أنّ ««مؤسسة كهرباء لبنان» والقائمين على الوزارة، تحرّكوا فوراً من أجل إعادة الكهرباء، وربطها بالخط الكهربائي الذي كان يغذّيها سابقاً ويؤمّن لها ساعات العمل من دون انقطاع أبداً. وهذا الأمر تمّ تداركه سريعاً من أجل عودة البث إلى الإذاعة التي توقّفت فترة وجيزة فقط، في مقابل استمرار عمل «الوكالة الوطنية للاعلام» بشكل عادي»».
ليس انقطاع الكهرباء المشكلة الوحيدة التي تُعانيها «الإذاعة اللّبنانية»، بل إنّ أزماتها كثيرة وأكبر وأعمق. يعاني الموظّفون من مشكلات ماليّة جمّة بسبب انخفاض رواتبهم التي فقدت قيمتها على إثر الارتفاع الجنوني للدولار مقابل اللّيرة اللبنانية. كذلك، تُعاني الإذاعة من مشكلة تقنيّة تتمثل في ضعف الإرسال في غالبيّة المناطق اللّبنانية، مع تراجع موجات البثّ في بعض النقاط. وتلفت مصادر لنا إلى أنّ هناك إصراراً على بقاء عمل الإذاعة بشكل طبيعي، ومعالجة المشكلات على «الطريقة اللّبنانية» لضمان استمرار بثّها على الهواء ولو باللّحم الحيّ، لمَا للإذاعة من مكانة رمزية لدى اللبنانيّين.