بعدما قامت الشرطة الفرنسية بقمع التظاهرات يوم إعلان انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وبعدما استغل القوميّون الجزائريّون المناسبة للمطالبة باستقلال الجزائر، قرّرت السّلطات تطبيق القانون العرفي. أمر أدّى إلى مقتل آلاف الأشخاص، في ما سمّي بمجازر 8 أيار (مايو) 1945 كما بمجازر سقيف وقالمة. «هيليوبوليس» للمخرج الجزائري جعفر قاسم المرشّح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، يُعيدنا إلى هذا التاريخ في فيلم جدّي في طرحه، وتاريخيّ في سرده، وميلودرامي في لغته السينمائية. «هيليوبوليس» يعود بنا إلى فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، التي لم ينته الحديث عنها إلى اليوم. ملحمة عن تاريخ الجزائر والمجازر التي ارتكبت على يد الميلشيّات الجزائرية المتحالفة مع الفرنسيّين بحقّ أهل الأرض. مجازر أدّت إلى قتل وحشي للمدنيّين الجزائريّين والإعدام الفوري للزعماء السياسيّين الذين يُحاربون من أجل استقلال البلاد. مقداد (عزيز بوكروني) الأرمل والمحارب القديم في الحرب العالمية الأولى في الجيش الفرنسي، هو رب عائلة زناتي المسلمة التي تدير مزرعة قمح ناجحة في قرية صغيرة تدعى هيليوبوليس في منطقة قاملة في الجزائر. مقداد رجل فخور بنفسه وبنجاحه، يتحدّث الفرنسية في البيت ويرسل ابنه محفوظ (مهدي رمضاني) للدراسة في الجزائر العاصمة. مقداد تقدّمي، مثل والده الزعيم القبلي، ينظر إليه مجتمعه على أنّه زعيم وفي الوقت نفسه يعتمد عليه الفرنسيّون للولاء والحفاظ على السلام في المنطقة. بعدما عاد محفوظ إلى القرية وانخرط في النّضال السياسي مع فرهاد عباس (مصطفى لاريبي) ضد الاستعمار رغم معارضة والده، تبدأ المشاكل العائليّة بينما يبدأ الشحن القومي ضد المستعمر. ستلتقي الدراما الشخصية للشاب مع دراما كل الجزائريّين الذين كانوا يأملون في أن يؤدّي انتصار الحلفاء على النازية إلى فتح حقبة جديدة.
ينقل بفعالية فظاعة المستعمر والمجازر التي ارتكبها


الجزء الأول من الفيلم هو مقاربة تاريخيّة ميلودرامية للأحداث الواقعية والمشاكل العائلية والسياسية. أما الجزء الثاني، فهو أكثر قتامة ينقل بفعالية فظاعة المستعمر والمجازر التي وقعت. «هيليوبوليس» فيلم غني من الناحية التاريخيّة، لكنّه فقير من الناحية السينمائية. المشاكل العائلية والشخصية تطغى على الأحداث التاريخيّة، والميلودراما تلعب دوراً كبيراً، فأضعفت الفيلم كله. في مشهد إعدام المناضلين مثلاً، كنّا في غنى عن توسّل مقداد. تصوير مقداد على الأرض بينما الفرنسي يطلب منه أن يقول إنه كلب وأن ينبح مثله، وأن يقول إنّ كل الجزائريّين كلاب، مشهد استعمله المخرج فقط لاستدراج العواطف، بينما الأحداث التاريخية واللّقاءات السريّة وأحاديث المناضلين والسكان الأصليّين كانت أكثر من كافية، لتقول لنا كل شيء من دون الحاجة للذهاب إلى الميلودراما غير النافعة. يستحق «هيليوبوليس» اهتمامنا من حيث توثيق التاريخ في هذه القرية الصغيرة، والمشاكل بين المستعمرين والسكان الأصليين المسلمين، وبين من كان مع الاستعمار في لحظة من تاريخ الجزائر في أكثر فتراتها توتراً. الفيلم يحمل الكثير من الحقائق في ما يتعلّق بالواقع التاريخي والأماكن والاحداث والأشخاص الحقيقيين.