«سمير القنطار ليس شخصاً يُحتفى به». بهذه العبارة افتتحت صحيفة Vice الألمانية (موقع وصحيفة أميركيان انطلقت نسختهما الألمانية عام 2005) تقريرها الذي نشرته أول من أمس، داعيةً فيه إلى وقف التعاون بين المحطة الألمانية الناطقة بالعربية «دويتشه فيله» (DW) وقناة «الجديد»، بدعوى «معاداة الإنسانية»، إذ نشرت الصحيفة الموالية لـ «إسرائيل»، تقريراً مفصّلاً بدأته بسيرة القنطار (1962 - 2015) واحتفاء «حزب الله» به. ركّز التقرير الذي توسّطته صورة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، على «احتفاء الحزب وتمجيده بالعمليات الانتحارية والإرهاب ضد اليهود»، على حد تعبير كاتبَي المقال يان كارون وفليلكس داكس. وأوضح التقرير أنه بعد استشهاد القنطار، عرضت «الجديد» تقريراً «أعطى لمسؤولي حزب الله الحزينين الفرصة للحديث عن أفعاله البطولية. وذكرت المحطة اللبنانية عبارات الانتقام التي توعّد بها «حزب الله» على إثر مقتل القنطار، من بينها «لن يقبل موت القنطار» و«دمه سينتقم» و«فاته شرف عظيم»». عرّج التقرير، على الذكرى الــ 11 لحرب تموز 2006، يوم نشرت «الجديد» تقريراً لنصرالله توعّد فيه الإسرائيليين بـ «المزيد من المفاجآت»، كما على التعاون الإعلامي بين DW و«الجديد» من ناحية بثّ البرامج والتبادل الإعلامي. وختم متسائلاً: «نتخيّل أن المسؤولين عن «دويتشه فيله» لا يعرفون ما الذي تبثّه قناة «الجديد» منذ سنوات. لماذا لا يتصرفون؟».
(فلادان نيكوليتش ــ صربيا)

في هذا السياق، تلفت مصادر لـ «الأخبار» إلى أن التعاون بين DW و«الجديد»، يعود لسنوات طويلة، اندرج ضمن سلسلة تعاقدات إعلامية كانت الشبكة الألمانية تبرمها مع الشاشات اللبنانية. فكانت DW قد تعاونت سابقاً مع محطات لبنانية من بينها nbn و otv وحتى «تلفزيون لبنان». أما بالنسبة إلى «الجديد»، فتوضح المعلومات أنّ التعاون الإعلامي كان متنوعاً كعرض «الجديد» برنامج «جعفر توك» الذي يُبثّ حصرياً على القناة الألمانية. كذلك، شمل التعاون تبادلاً بين الإعلاميين وورشات التدريب ولقاءات إعلامية.
في الواقع، جاء التقرير عن قناة «الجديد» ضمن سلسلة تقارير واظب الإعلام الألماني على نشرها في الآونة الأخيرة، كلّها تضمّنت توصيف «معاداة السامية» حين يتعلّق الأمر بإسرائيل.
فمنذ يوم الثلاثاء الماضي، لم تهدأ الساحة الإعلامية في ألمانيا. كل يوم يُستيقظ على أخبار وتقارير تُنشر في الصحافة تتعلق بإعلاميين وقنوات يواجهون تهمة «معاداة السامية»... كأنّنا في زمن «صيد الساحرات»، إذ يقوم معدّو التقارير بنبش تغريدات ومقالات قديمة لإعلاميين ومراقبة حساباتهم ومواقفهم المناصرة لفلسطين، وربطها بتهمة «معاداة السامية». وهذا ما أدى إلى فكّ القناة الألمانية الشراكة مع عدد من الإعلاميين العرب.
البداية كانت في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حين نشرت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» الألمانية، مقالاً «اتهمت» فيه مجموعة من الإعلاميّين، من بينهم خمسة عرب، يعملون في قناة «دويتشه فيله» (DW) الألمانية الناطقة بالعربية بـ «معاداة السامية». الصحافيون العرب هم: مدير مكتب بيروت لقناة «دويتشه فيله» باسل العريضي، وداوود ابراهيم، ومرهف محمود، ومرام مرقة (مرام شحاتيت)، وفرح سالم. معظم الموظفين يعملون في القسم العربي للقناة، وآخرون متعاقدون معها في مجال التدريب الإعلامي. التهمة التي وُجّهت إلى الصحافيين واحدة هي «معاداة السامية» بناءً على تعليقات على صفحاتهم الافتراضية، أو مقالات نشروها (يعود بعضها إلى أكثر من 10 سنوات) وصُنّفت ضمن تلك الخانة. هذا الأمر أفضى إلى توقيف العمل مع الصحافيين الخمسة، لحين صدور قرار اللجنة التي تشكّلت من شخصيتين الأولى وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر، والاختصاصي النفسي الفلسطيني أحمد منصور.
لائحة بأسماء ضيوف ذوي مواقف «رمادية» إزاء القضية الفلسطينية


لكنّ ملفّ قناة «دويتشه فيله» لم يُقفل هنا. تابعت الصحافة الألمانية تقاريرها، فوصلت إلى قناة «رؤيا» الأردنية. وكانت الشبكة الألمانية قد وقّعت في 20 شباط (فبراير) عام 2020، اتفاقية شراكة مع «رؤيا»، بهدف «تطوير التغطية الإخبارية لكلتيهما»، بحسب تصريح المحطتين يوم توقيع العقد. لكن قبل ثلاثة أيام تقريباً، فتحت صحيفة «بيلد» الألمانية الداعمة لإسرائيل، النار على محطة «رؤيا» الأردنية الخاصة التي تأسّست عام 2011، متهمة إياها بأنها «تقيم علاقات شراكة مع مؤسسات تنتقد إسرائيل وحقها في الوجود، مطالبة بالتحقيق في هذه المزاعم». واتهمت الصحيفة الألمانية محطة «رؤيا» بأنها «معادية للسامية، تُصوّر المواطنين الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم في الهجمات التفجيرية التي شنّتها منظمة «حماس» على أنهم مستوطنون للاحتلال الإسرائيلي»، بينما تشير إلى «القتلى الفلسطينيين بأنهم شهداء، وبأن المحطة الأردنية لا تشير إلى إسرائيل بالاسم، بل يشار إليها باسم الاحتلال الإسرائيلي. كما أنها تنشر صوراً معادية لإسرائيل، وتمجّد عمليات المقاومة الفلسطينية».
من جانبها، أصدرت المحطة الألمانية بياناً قالت فيه إنّها «تنأى بنفسها بشكل قاطع، عن منشورات القناة الشريكة «رؤيا»، وتأسف على تقييمها الأوّلي لتلك القناة على أنها «غير معادية لإسرائيل»». ونقل البيان عن المدير العام لقسم التسويق والتكنولوجيا في الشبكة جويدو باومهاور قوله: «نعتذر عن عدم انتباهنا لهذه الصور المثيرة للاشمئزاز»!.
تلفت مصادر لـ«الأخبار» إلى أن «صحوة» الإعلام الألماني ضدّ الإعلاميين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، لن تتوقف هذه الفترة. ترى المصادر أنّ عملية تكميم أفواه الصحافيين تأتي استرضاءً لـ «إسرائيل». ولهذا السبب، جاء تجميد التعاون مع الإعلاميين كـ «درس» لزملائهم الآخرين الذين قد يفكّرون في إطلاق تصريحات ضد «إسرائيل». وتكشف المصادر أنه بدءاً من الأسبوع المقبل، ستعتمد قناة «دويتشه فيله» لائحة بأسماء ضيوف هم أصحاب مواقف «رمادية» إزاء القضية الفلسطينية، وزيادة استضافة شخصيات تحمل نفَساً تطبيعياً مع العدو الإسرائيلي في مقابل تغييب المحللين المناصرين للقضية الفلسطينية. أكثر من ذلك، نشر موقع welt الالماني أمس تقريراً كان أشبه بجردة لعمل القناة مع الاعلاميين العرب. واستعرض التقرير الأسباب التي أدت الى فك التعاقد مع القناتين اللبنانية والاردنية. وقام بجولة على الاعلاميين الذين جُمِّد عملهم. وللمرة الأولى، أدرج اسم الكاتب الفلسطيني عبدالباري عطوان. إذ لفت الى أنّ الصحافي «متعاطف مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وكتب مرة أنّ ألمانيا خاضعة للصهيونية العالمية ولا تستحق أي احترام». وتابع التقرير أنّه رغم تصريحات عطوان، الا «أنه كان يحلّ دوماً ضيفاً على القناة بين الاعوام ٢٠١٧ و ٢٠٢٠ مرات عدة أسبوعياً».