اختلاف الناس أمر طبيعي تعوّدوا عليه وصار بديهياً لديهم. لا مسألة من مسائل هذا العالم إلا وانقسم عليها الناس فرقاً وذهب كل فريق بما رأى وأراد، حتى ليحسب من يشاهد الناس أنَّ اتفاقهم على شيءٍ واحدٍ أمرٌ محال، لولا نماذج قليلة هنا وهناك كسرت قيودَه وجعلته ممكناً، ومنها الحزن الذي خيّمَ على الناس باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وعقائدهم برحيل الشيخ الفاضل والأديب الكامل والشاعر الفذّ فضل مخدّر. هذا الحزن الذي لا يقبل التمثيل ولا يترك مجالاً للشك في عميق الأثر الطيب الذي تركه الفقيد في أرواح من عرفه عن قربٍ أو بُعد ولامسَ روحه النقية وصفاء قلبه الذي أصبح أندر من لحظات السلام في شرقنا هذا.
عرفتُ الشيخ من سنواتٍ طويلة، إذ جمعني وإياه الشعر. كنت أشعر حين أجالسه أني أجلس أمام مرآة. كان الرجل عراقياً صرفاً كما كان لبنانياً صرفاً. روحه متوقّدة وعيناه تفيضان محبةً واهتماماً، ينهكه العمل والتعب فلا يبالي، كأنه مصداق قول أبي الطيب (وإذا كانت النفوس كباراً، تعبت في مرادها الأجسام). عرف العلمَ والأدبَ والجهادَ والموقفَ معرفةَ الواثقِ الواعي فكان مثالاً لما عرفْ.
لم يتلَوّن مع الأحداثِ ولم يُبدِّل تبديلاً، وما أصعب أن نفقدَ ضوءاً حقيقياً في زمنٍ مزيّفٍ من رأسه لرجليه. يُقال إنّ المرء يصبح أكثرَ غربةً كلّما رحل عزيزٌ عنه، يتفلتون واحداً واحداً من يد الدنيا حتى تصبح في عينيه داراً موحشةً كلُّ ما فيها مجهولٌ وغريب، وقد زادت غربة محبيك أضعافاً برحيلك وثلم موتك في قلوبهم ثلمة لا يسدّها بعدك شيء.
رحمك الله أيها الثابت على نهجه وألحقك بحبيبه وحبيبك النبي وآله في علّيين.
* شاعر عراقي