حين علمتُ، مُصادفةً، بأنّ حفيد عمّتي، المخرج فيصل سعود الأطرش، قد بدأ بمشروع إخراج فيلم، له علاقة بالثورة السورية الكبرى (1925)، وبقائدها العام سلطان الأطرش، جدّي، في الفترة التي أضحت فيها «واحة الأزرق» مقرّاً جديداً لقيادة الثورة، وملجأ آمناً لعائلات الثوّار، وذلك في صيف عام 1926 ثم في ربيع عام 1927، اتصلتُ به بعدما أخذتُ رقمه من والده، خاصةً لأنّ أبي، رحمه الله، وضع بين يديّ، منذ ربع قرن، وصيّة توثيق وتحقيق أرشيف الثورة السورية الكبرى الموجود في بيتنا في دمشق!في تلك الفترة، ازدادت الضغوط على الثوّار، وخاصةً العسكرية منها، ومع ذلك لم تخُرْ عزيمتهم، بل تجلّت روح حرب العصابات ضدّ مراكز الجيش الفرنسي، وقد كانت الضربات موجعة له! وقد كان الانتدابان الفرنسي والبريطاني متّفقَيْن على قمع الثورة!
إذاً، اتصلتُ مباشرةً بالمخرج، برسالة صوتية، عبر تطبيق الواتس آب، طالبةً إليه أن أقرأ سيناريو الفيلم... فلا بُدّ أن تفيد قراءتي له بملاحظة ما، أو نقد ما، بسبب خبرتي في هذا الموضوع! كان ذلك في الشهر العاشر من عام 2019!
تجاوب المخرج، وأرسل لي السيناريو، الذي قرأتُه مباشرةً، وسجّلتُ له ملاحظاتي صوتياً على تطبيق الواتس. وقد اقتنع ببعضها، وبرّر بعضها الآخر، وقال إنها مفيدة له! وكلّ هذه المراسلات الصوتية موجودة على كمبيوتري!
ملاحظاتي على نص السيناريو باللغة العربية:
• تمنّيتُ على المخرج تغيير شخصية الأمير عادل أرسلان، بسبب إساءاته للثوّار وزرعه التفرقة بينهم في المنفى، وطلبتُ منه اختيار شخصية أخرى، لأنها لن تؤثّر على مسيرة الأحداث في هذا الفيلم. لم يتجاوب المخرج، وهو طبعاً حرّ في ذلك! لكنّي أكّدتُ له أنّي لا أريد إلغاء أحد! إنما في الفيلم هنا ليست شخصيته ضرورية أكثر من غيره. وقد ورد اسمه في السيناريو، في الصفحات (2- 3- 4- 5 – 6).
• في الصفحة 3، لا أظنّ أنّ الثوّار كانت لديهم «رفاهية» اقتناء المصباح الزيتي. أما المشعل العادي، فمعقول! كان جواب المخرج، أنه غيّر توقيت التصوير، فأصبح توقيتاً نهارياً فقط. فوجدتُه حلّاً ممتازاً.
• في الصفحة 5، كتب المخرج على لسان سلطان الأطرش: «كنّا نفكّر في بريطانيا العظمى مثالاً على العدالة وحقوق الإنسان». هنا، اعترضتُ بشدّة على هذه الجملة! هذه ليست قناعة سلطان الأطرش مطلقاً! إذ إنه اعترض بشدّة وعلناً وفي وثيقة لعصبة الأمم على وعد بلفور. وكانت لديه جملة شهيرة يردّدها: «بريطانيا كلب هَرِم، يجرّ ذيله خلفه، وأنّى حلّ هذا الذيل، وقع الخراب»! فبريطانيا العظمى، في نظر سلطان الأطرش، لا تمتّ بصلة للعدالة وحقوق الإنسان! أما سلطان الأطرش، فقد آمَنَ بما طرحتْه الثورة الفرنسية في ما يخصّ حقوق الإنسان! كان جواب المخرج على تعليقي هذا: إنّ سلطان يقول هذه الجملة من باب السخرية من بريطانيا! فأكّدتُ له حينها: إنّ السخرية غير واضحة في المعنى المكتوب! فَوَعَدَ بمراجعة الأمر!
رغب والدي في فيلم ضخم عن الثورة السورية الكبرى من توقيع المخرج المبدع مصطفى العقاد


• في الصفحة 6، إنّ ما ورد في السيناريو على أنه قيلَ على لسان «الكابتن» البريطاني، المعتمد البريطاني، رسول الملك جورج الخامس إلى سلطان الأطرش، هو عرض رسميّ من الملك البريطاني جورج الخامس على سلطان الأطرش، (1927)، بمنحه قصراً في القدس وراتباً كبيراً مدى الحياة، مع مَنْ يرغب من المقرّبين إليه، والشرط الوحيد هو تخلّيه عن السلاح! جرى هذا العرض في «الأزرق». كان جواب سلطان الأطرش واضحاً برفضه هذا العرض، قائلاً: «سعادتنا باستقلال بلادنا وحريّة شعبنا (...)، فلا نرضى المفاوضة معكم أو مع حلفائكم الفرنسيين إلا على أساس صلح مشرّف تتحقّق به المبادئ التي قامت ثورتنا عليها ومن أجلها، وتتلخّص بحرّية الشعب ووحدة البلاد واستقلالها، وجلاء القوّات الأجنبية عنها...»! (كتاب «أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش»، راجعها وصحّحها ومهّد لها منصور سلطان الأطرش، دمشق، دار طلاس، ط2، 2008، ص، 305 - 306).
• في الصفحة 7، بتلا، ابنة سلطان، ذات السنوات التسع، تقول: «أنا لا أحبّ الثورة»! شخصياً، اعترضتُ على هذه الجملة: فأولاد سلطان، طيلة حياتهم، كانوا مؤمنين بأنه على حقّ في كلّ ما يفعله. واقتنع المخرج بذلك وألغى هذه الجملة من السيناريو.
• في الصفحة 7، أكّدتُ على السيد المخرج أنّ قصيدة «يا ديرتي ما لك علينا لوم» هي من شعر زيد الأطرش، شقيق سلطان، رغم تغيير بعض من كلماتها الأصليّة في هذا الفيلم.
• في الصفحة 8، ثمة خطأ في تاريخَيْ رحيل جدتي وجدّي سلطان عن عالمنا هذا، فصحّحتُ التاريخيْن بالتفصيل: رحلت جدّتي في 10/1/1982 ورحل جدّي سلطان في 26/3/1982 ولا علاقة لعام 1983 بالتاريخين، كما هو مكتوب في السيناريو!
• في الصفحة 8 والأخيرة، ورد في السيناريو ما يلي: صورة ملوّنة لِسلطان الأطرش. «لا يزال سلطان رمزاً للكفاح من أجل الدفاع عنّا. حقوق الإنسان غير قابلة للتصرّف من القمع بكلّ ما فيه. تغيير النماذج باستمرار. تتلاشى إلى الأسود. النهاية». أما تعليقي على ذلك المكتوب، فهو: «سلطان الأطرش هو رمز للتحرّر الوطني وللوحدة الوطنية. لذلك، فلا يزال رأيي هو أنه للوطن كلّه، وليس محوراً للتجاذبات السياسية الضيقة. فمن الأفضل إبعاد اسم سلطان الأطرش عن أي نزاع سياسي، قديماً كان أم حديثاً، (مستنِدةً في توجّسي هذا إلى البرومو القديم لفيلم المخرج فيصل الأطرش الذي ظهر قبل سنوات، وعلّقتُ عليه كتابةً!). كما اقترحتُ على المخرج إضافة الجملة التالية: «سلطان الأطرش ضدّ الغزو الصهيوني ومع نضال الشعب العربي الفلسطيني»... وتلك مواقف له معلَنة طيلة حياته. أكّد لي المخرج الشاب أنّ هدفه هو العمل على «تلوين صور المنفى، ولم يفكّر بأي تسييس للأمر»!
• ملاحظة أخيرة ورجاء منّي قدّمتُهما للمخرج: السماح لي بمشاهدة الفيلم قبل إقرار النسخة النهائية التي سيتمّ تقديمها إلى المهرجانات السينمائية، مع تشجيعي الشديد للمخرج فيصل الأطرش على خوضه هذه التجربة. فأنا لديّ عين ناقدة... وقد فعلتُ ذلك سابقاً في أفلام تسجيلية وغيرها، لها علاقة بجدّي سلطان الأطرش وبتاريخ الثورة السورية الكبرى. وهذا أمر هام لنا جميعاً كعائلة، وكرغبة مني في أن يخرج فيلم فيصل الأطرش في أبهى حلّة. وكرّرتُ الطلب أمام والده، ابن عمتي، (عَشَماً). تمّ وعدي خيراً! لكنْ، للأسف لم تتمّ تلبية طلبي ذاك!
شكرني المخرج فيصل الأطرش على ملاحظاتي «الهامّة»، حسب تعبيره، ووعدني بأخذها في الاعتبار، وكان مسروراً منها. ووعدني بإرسال الفيلم لي لمشاهدته، قبل اعتماده النسخة النهائية، حتى يكون ثمة من إمكانية للتعديل عليها! لكنه للأسف لم يفعل!

يؤدي الممثل السوري رمزي شقير دور سلطان باشا الأطرش في فيلم «من الجبل» للمخرج فيصل سعود الأطرش

علمتُ مصادفةً من أحد أقاربي بأنّ الفيلم قد أُنجِزَ نهائياً. اتصلتُ بالأخ فيصل الأطرش، عاتبةً عليه عدم الوفاء بوعده لي. فأرسل لي رابطاً لمشاهدة الفيلم، في 10 أيلول (سبتمبر) 2021، مؤكّداً لي أنه قدّمه لمهرجان عربي في جدّة!
تعليق المخرج فيصل الأطرش على ملاحظاتي على مشاهدتي للفيلم حالَ إرساله لي في 10 أيلول 2021:
شكرني بتسجيل صوتي، موصِّفاً ملاحظاتي، على فيلمه، بالدقيقة والإيجابية، وبأننا، سويّاً، نرى بأنّ الفيلم على «مستوى عالٍ من التصوير والكادرات»!. وعدني بتصحيح ما يمكن تصحيحه، وبأنه «سيردّ لي جواباً عن تفاصيل ملاحظاتي له»! للأسف، لم يصلني منه أيّ خبر منذ 10 أيلول 2021. وشكرني بمحبّة وتأكيد على «اهتمامه برأيي»! هو يفكّر بعمل درامي عن الثورة السورية الكبرى. فكان رأيي عليه أنّ السينما هي الذاكرة لا المسلسلات الدرامية، إلا في ما ندر. لذلك، فإنّ إخراجه لفيلم سينمائي بإنتاج هامّ وضخم عن الثورة السورية الكبرى هو الأجدى من وجهة نظري، وأيضاً من وجهة نظر والدي، الذي كان يسعى لإيصال هذه الفكرة للراحل، المخرج المبدع مصطفى العقاد، عن طريق شقيقه زهير، صديق والدي... رحمهم الله جميعاً.
ملاحظاتي بعد مشاهدة النسخة العربية لفيلم «من الجبل»:

الملاحظات النقديّة الإيجابية:
• الموسيقى التصويرية جميلة جداً.
• ثمّة تغيّر في كلام قصيدة زيد الأطرش «يا ديرتي ما لك علينا لوم»، لكنّ معانيها جيدة.
• صوت النار كمؤثّر صوتي، حلو.
• الصورة جذّابة وجميلة. كذلك الأمر يمكن القول عن لقطات غروب الشمس.
• الكادرات التصويرية وتقطيعاتها جميلة جداً ولافتة للنظر.
• للوهلة الأولى، لم أستطع، عاطفياً، استيعاب مشاهدة جدّي سلطان وأبي منصور، طفلاً، على الشاشة!
• الأداء الذي قام به الممثّل يزن الحكيم أداء جيد ومميّز. وهو أيضاً حفيد عمّتي. وأتمنّى له التوفيق دائماً!

الملاحظات النقديّة السلبية:
• مكتوب على الصخرة في اللقطة الأولى للفيلم عبارة «الثورة السورية». هذا نقص خطير: اسم ثورة الـ 1925 هو «الثورة السورية الكبرى»، ولو لم تكن التسمية الغربية هكذا. فنحن يجب أن نعكس رؤيتنا وإيماننا بها. وما يعزّز رأيي هذا، هو أنّ قائدها العام، سلطان الأطرش، كان يعتبرها ممتدّة على اثني عشر عاماً، من عام 1925 ولغاية عام 1937، أي بعد العودة من المنفى، مرحلة استمرار المقاومة: وهذا ما قاله بصوته في الموقع الإلكتروني الذي أطلقتُه على النت:
www.sultanalattrache.org
• رداء الجنود البريطانيين الظاهرين في الفيلم، القَلْبَق الأسود على الرأس: لا أظنّ أنّ رداءهم كان هكذا. طلبتُ من المخرج البحث في ذلك. رأيتُه رداء شبيهاً بالرداء العثماني!
• طريقة اللفظ عند الطفل منصور ومخارج الحروف لديه غير واضحة: كان يمكن تدريبه بشكل أفضل على ذلك، كي تكون كلماته أكثر وضوحاً وتفسيراً للمشاهد.
• حين كان سلطان الأطرش يدرّب منصور الطفل على إطلاق النار، لم نرَ اهتزاز كتف منصور من إطلاق النار هذا!!
• الطفل منصور لم يعرف ارتداء الحذاء مطلقاً. كان دائماً حافي القدمين. تلقّى حذاء هدية من مدام روزيتا فوربز في وادي السرحان لا في الأزرق! ولم يشعر بالراحة فيه، فتخلّى عنه: («الجيل المُدان: السيرة الذاتية لمنصور سلطان الأطرش»، تحقيق د. ريم منصور الأطرش، بيروت، دار الريس، 2008، الصفحة 18، والصورة في الصفحة 28).
• قيل على لسان أحدهم في الفيلم: «الإنكليز عم يعتقلوا من كان يحاول جلب الماء». في الحقيقة، كان الجنود البريطانيون يقنصون كل من يحاول الحصول على الماء. وفي مرّات عديدة، استطاع البريطانيون منع المياه عن الثوّار لأكثر من 36 إلى 72 ساعة!!
• قيل على لسان أحدهم في الفيلم: «بس الإنكليز وافقوا يتفاوضوا معنا»! يُفهَم من هذا الكلام أنّ الثوّار هم من طلبوا التفاوض مع الإنكليز. والواقع هو أنّ المعتمد البريطاني هو الذي طالب بمقابلة سلطان الأطرش في الأزرق!
• في لقاء الأزرق الذي حمل فيه المعتمد البريطاني، إلى سلطان الأطرش، العرض الرسمي من ملك بريطانيا جورج الخامس، كان الثوّار يعانون فعلاً من الجوع والعطش! فجلب المعتمد البريطاني إلى هذا اللقاء في الأزرق كلّ ما لذّ وطاب من مأكل ومشرب! حاول أحد الثوّار مدّ يده إلى الطعام، لكنّه لمح نظرة زاجرة في عينَي القائد العام، سلطان الأطرش تقول: «لا يقربَنّه منكم أحد»! فتراجع والتزم بنظرة قائده، كما التزم الجميع! بعد رفض سلطان الأطرش عرض الملك جورج الخامس، قام المعتمد البريطاني كي يرحل مع مرافقيه من مكان الاجتماع، فبادره سلطان الأطرش قائلاً له: «خذْ معك كلّ ما أتيتَ به من طعام وشراب، فلسنا في حاجة إليه»! وهكذا كان. ويُقال، إنّ المعتمد البريطاني، حينئذٍ، رفع يده بالتحية العسكرية أمام سلطان الأطرش، وغادر المكان! كما يُقال، إنه عوقِبَ على هذه التحية من رؤسائه! إذاً، ليس سلطان الأطرش من ترك مكان التفاوض، كما شاهدتُ في الفيلم، بل المعتمد البريطاني ذاته!
في الختام، أتمنّى على المخرج فيصل الأطرش الإفادة من هذه الملاحظات في إجراء التعديلات اللازمة لاستدراك ما كنتُ أخشى وقوعه، لذلك طالبتُ برؤية المنتَج قبل النهائي، كي يكون الفيلم أقرب إلى ما نصبو إليه جميعنا!

* أكاديمية سورية وحفيدة قائد الثورة السورية الكبرى باسم سلطان باشا الأطرش