أصدرت مجموعة من الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي بياناً في رثاء الكاتب والمترجم والناشر والمثقّف المشتبك، سماح إدريس، الذي غادرنا قبل أيام بعد معركة شرسة وقصيرة مع السرطان، ننشره كاملاً: «في صباحٍ غير عادي، حيث خبر الرحيل يغرز أنيابه في رهافة الحب والإحساس، فرحيل الصباح يحيله إلى غروب، تغرب روحك هناك يا سماح ونبقى نحن نستظلّ بفيئها وهي ترفرف وتملأ الفضاء. صباحٌ استثنائي حيث الخبر بفاجعة رحيلك حلّ مكان تفكيرنا في التحرّر والانعتاق. ولأن غيابك يفتك بقدرتنا ويسمّرنا في محطات الزمن، ننظر من حولنا نتفقدك، نتذكرك، فنحن ما زلنا نحتاج كلماتك، مواقفك المبدئية المنحازة، ما زلنا في خضم المشوار يا سماح، لقد ارتحلت ووصلنا خبرك مع تسامي قطرات الندى، مع تساميها من على أشباك السجن وقد تسامت معها وتسلّلت أحاسيسنا المجروحة، ووجعنا الصارخ بفقدانك علّنا نُهوّن على أنفسنا قليلاً، وعسانا نسمعك صرختنا الأخيرة، أنت الذي اعتدت الانتماء لصوتنا وصرخاتنا، أو لعلّنا نريد أن نودّعك بهمس الصراخ.فكلماتنا حتماً ستصلك نحن القابعين في سجون الاستعمار الصهيوني، وكنا نودّ التحرّر واللّقاء بك. فكما ترى وكما علّمتنا بأنّ المشوار ما زال طويلاً، وقنديلنا ما زال يحتاج الكثير من الزيت، فلماذا بربك رحلت الآن؟!
سماح نحن نعرف أنّك لا تغادر الجبل، فأنت جبل في مواقفك وخطواتك مرسومة بل محفورة في المشوار الطويل. فأنت عزيزنا ورفيقنا، رفيق نضال مرير، رفيق درب طويل، ولكنك رحلت وتركتنا. بل رحلت عنا بجسدك وستبقى روحك إلهاماً لنا وكلماتك ومواقفك نبراساً نستحضره ونحاوره ونحادثه ونحن نسير، سنبقى نمشي ونسير يا رفيقنا حتى نصل.
من خلف القضبان، من وراء الجدران، والأشباك، من بين أنياب الصهاينة، نبرق لأسرتك وأحبّتك ورفاقك ورفاق دربك ننعيك بكل الفخر والشموخ وأسمى آيات النضال. ننعيك كاتباً ومثقّفاً ورفيقاً ومقاتلاً في سبيل الحرية التي قضيت من أجلها.
نم قرير العين، واعلم أنّ درب الحرية لا ينضب أبداً من الأحرار.
رفاقك في سجون الاحتلال»