ليس بالعشق وحده يتطوّر الممثّل. صحيح أنّ سعيد سرحان (1979) عشق التمثيل منذ الطفولة، لكنّ بحثه المتواصل في حنايا وزوايا الشخصية على الصعيد النفسي والبنيوي، هو ما جعله مميّزاً، مهما حاول بعضهم حرف الأنظار عن موهبته أو دفعوه للشعور بالغبن. ابن المسرح والسينما رسّخ موهبته عبر الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل «الهيبة»، فكرّت سبحة الأعمال تمثيلاً وكتابة... لكن ظلّ حلمه لأداء دور الراحل شوشو (حسن علاء الدين ـ 1939 ــ 1975) في فيلم يحكي سيرته. يقول لـ «الاخبار»: «هو حلم حياتي، كل خطوة ومحطة أتقدّم فيها إلى الأمام في مهنتي كتابةً أو تمثيلاً هي بمثابة قطعة موزاييك في لوحة رسمها شوشو. أتمنى أن أصل إلى مرحلة أحمل فيها هذا المشروع وأضعه على طاولة المنتجين لأقول لهم هذا مشروعي. آمل أن أفرض يوماً «حكاية شوشو» وأتخطّى كلّ الصعوبات الأخرى التي لها علاقة بالأذونات وكلّ المراحل العمليّة واللوجستيّة لتطبيق المشروع». أمّا إذا مُنح إنتاجاً على بياض بإنجاز مشروع «شوشو»، فسيختار عصام بو خالد للكتابة «لأنّه يعرف هذه المساحة وخصوصيّتها بالنسبة إليّ وكونه ابن مسرح. عصام يمكنه أن يكون مهندس العمل، وهذا أبعد من موضوع إخراج هذا المشروع. لجهة الإخراج، أختار شخصاً يقرأ ويقوم بأبحاث ويفهم خصوصية حالة مثل شوشو، وكيف يقدّمها للجمهور لتكون تحفة فنية ككلّ أفلام السير».لمع اسم سرحان في مجال التقديم التلفزيوني عبر برنامج «الدرب» على «الجزيرة للأطفال» الذي حلّ في المرتبة الأولى بين برامج الأطفال في العالم العربي. بعدها، قدّم سرحان برنامج الألعاب «برج الجرس». لكن يبدو أنّه ودّع برامج الأطفال بصورة نهائية حين ترك العمل عام 2011: «كان أول برنامج لي على صعيد التعاطي أمام الكاميرا، ومساحةً لاختبار شخصيات في التمثيل. في كل مقدّمة للبرنامج، كنتُ أقدّم شخصية مختلفة نوعاً ما، وكانت هناك مساحة للكتابة على اعتبار أنّ لدينا برنامجاً يومياً بحاجة إلى التنويع». يعتبر سرحان أنّ هذه المرحلة استوفت حقّها وتركت ذكرى جميلة له وللكثير من الأطفال الذين أصبحوا شباباً يتواصلون معه بعد متابعتهم له في المسلسلات.
لا يندم سرحان على العودة إلى لبنان إطلاقاً: «لم أترك لبنان في حياتي، كنت أسافر لتصوير برنامجي وأعود إلى بلدي. كنت في تلك الفترة أعمل مع المخرج عصام بو خالد على مسرحيّاتنا، ومع بعض المخرجين على الأفلام القصيرة، وكان ممنوعاً عليّ العمل لصالح التلفزيون بسبب العقد الحصري مع قناة «الجزيرة»». بعد سنة ونصف السنة من عودته النهائية إلى لبنان، شارك في مسلسل «قيامة البنادق» (2013): «وقفت أمام كاميرا المخرج رضوان عمّار مع العظيم أحمد الزين ونخبة من الممثلين اللبنانيّين، وشكّلت الشخصية علامة عند العديد من المشاهدين وكانت بداية موفّقة وعودة محمودة بالنسبة إليّ كما يُقال». يعتبر سرحان أنّ ظروف العيش القاسية في لبنان ليست جديدة، لكنّ «الظروف القاسية تعلّمنا القوّة ونختبر انتماءنا إلى هذا الوطن. مع العلم أنّ رأيي لا ينتقص من حقّ أي إنسان يجد طريقه خارج مساحة البلد، وليست الظروف القاسية التي تجعلني أترك لبنان. طلبت مني قناة «الجزيرة» مغادرة لبنان مباشرة في حرب تموز عام 2006، فاعتبرتُ منذ تلك اللحظة أنّ عليّ البقاء في لبنان أكثر من أيّ لحظة أخرى».
يجسّد في مسلسل «توتر عالي» شخصية مختلفة جداً عمّا قدّمه في «الهيبة» أو «باب الجحيم»


يعتبر سرحان أنّ المخرج سامر البرقاوي و«الهيبة» منحاه هيبةً بين الممثّلين، فماذا منحه «الهيبة» في جزئه الخامس والأخير الذي يُعرض حالياً عبر منصّة «شاهد»؟ «اختبرت مع المخرج المبدع سامر البرقاوي الجزء الثالث من «الهيبة» واختارني لأكون إحدى الشخصيات الأساسية. منذ ذلك الوقت، انتقلت معه إلى مرحلة أخرى من العلاقة في الكتابة». لكنّ علاقة سرحان بالكتابة بدأت فعلاً «مع المخرج والكاتب عصام بو خالد الصديق الأبدي حين فكّرنا بمسرحية «بنفسج»، واستمرت في أكثر من عمل منها «كارنيفوروس»، و«بلاك بوكس»، و«مأساتي». وبعد ذلك، تنبّه المخرج سامر البرقاوي إليها، وطلب مني كتابة ملخّص لتصوّري عن «الهيبة» في جزئه الرابع، وعين البرقاوي التي تكتشف ممثلين، تكتشف أيضاً كتّاباً. إحساسه عالٍ بالأشخاص ومواهبهم، لديه المفاتيح لوضع هذه المواهب على سكّة صحيحة، ويديرها دوماً ويتابعها، ثمّ تبنّت شركة الصبّاح موهبتي في الكتابة، وهي تعرف كيف تُفيد وتستفيد من المواهب، إذا لم يحصل الفنان على فرصة كهذه في الحياة تُهدر موهبته ويذهب باتجاه أبشع أنواع الإحباط. عصام بو خالد مسرحياً ثمّ سامر البرقاوي تلفزيونياً ثم شركة الصبّاح التي تبنّت مشروعي في الكتابة «باب الجحيم» (متوافر على «شاهد vip») وآمل أن تسير الأمور قدماً».
«توتر عالي» هو المشروع الثالث من حيث تعاون سرحان مع شركة «الصبّاح»، و«هي المرّة الأولى التي أعمل فيها تحت إدارة المنتجة لمى الصبّاح التي دعتني لقراءة النص. وبعد أربع صفحات، أُغرمتُ بما قرأت وبما كتبه ويخرجه أسامة عبيدة الناصر، لن أقول عمّا يقدّمه، بل سأدع الناس يرون النتيجة التي تخيّلها وكتبها وقام بإخراجها». المسلسل بطولة مجموعة من الممثلين السوريين واللبنانيين، و«أولى تجاربي مع الممثل قصي الخولي. هناك مشاهد جميلة سوياً، لا أحب مشاهدة ما أقوم به قبل انتهاء العمل، لكن أُخبرت بهذا الموضوع. لا بدّ من أن يظهر أفضل ما لدى الممثل حين يكون في حضرة ممثلين كبار أمثال قصي. نتعب جداً خلال العمل، لكن بالتأكيد سنجد نتيجة. ألعب شخصية مختلفة جداً عمّا قدّمته في «الهيبة» أو «باب الجحيم»». يعلن سرحان أنّ الشخصية استفزته منذ أن بدأ القراءة، معتبراً هذا المسلسل مشروع حياة. «هي المرة الأولى التي أحصل فيها على مساحة كبرى أي البطولة وأتمنى أن أكون وُفّقت في إيصال ما قمت بتحضيره لهذه الشخصية». يقدّم سرحان في المسلسل شخصية «دكتور رواد» الطبيب النفسي الذي يحضّر الدكتوراه في علم نفس المجرمين أو الفعل الإجرامي، نتيجة حادثة حصلت معه في طفولته، دفعت به ليبحث في مسيرة حياته عن جواب لسؤال: «هل الجريمة متوراثة بالجينات أم ناتجة عن ظروف اجتماعية. وخلال بحثه يلتقي بشخصية تدعى «وزير» يجسّدها قصي خولي، ويتحوّل بحثه النظري إلى بحث عملي. الموضوع شديد التعقيد والشخصيات تحمل الكثير من الطبقات، وتنفيذ العمل هو بحجم تعقيد النص لكن بسلاسة كي يصل إلى الجمهور ما نريد إيصاله».
عمّا إذا كان يبقى شيء من الشخصيات خارج ساحات التصوير، يجيبنا: «كان الموضوع حساساً في إحدى المرّات حين كنت أشارك في مسلسل من خمس حلقات أنتجته وعرضته تطبيق «سينيموز»، وهو من التطبيقات الأولى التي تملك محتوى. كانت الشخصية مخيفة نوعاً ما وكنت أمارسها خلال التحضير لها خارج أروقة التصوير، وكانت لها ردود أفعال، حاولت التماسها من الناس، فكان التحضير للشخصية هو احتكاكها خارج العمل ومع الناس. أترك شخصياتي في أماكنها، وبالطبع تبقى بعض الآثار واللحظات ولكن حين يقال Cut أكون سعيداً من جديد».
شاهد سرحان مسلسل «دور العمر» (كتابة ناصر فقيه وإخراج سعيد الماروق ــ متوافر على «شاهد») ولم يندم لعدم مشاركته بدور أكبر في المسلسل، «لم أندم لعدم مشاركتي بشخصية أخرى، لأنني أحببت الشخصية التي قدّمتها، وأحببت السحر الذي وُلد بيني وبين المخرج سعيد الماروق العبقري المجنون. وفي المناسبة نشأت بيننا صداقة أعتزّ وأفتخر بها، ونناقش أفكاراً لمشاريع مقبلة بصورة مستمرة، نود أن نقدّمها سوياً، استمتعت بأداء جميع الممثلين في المسلسل».
أمّا عن مشروعه المهني الذي يسعى إلى تحقيقه، فيقول: «أبحث دوماً عن شخصيات تستفز ما لديّ من موهبة وعلم. مشروع عالمي مقسّم على التمثيل والكتابة وفي انتظار أن تأتي الفرصة وآمل أن تكون باتت قريبة».