على مدار العقود الثلاثة الماضية، كانت الكنيسة الكاثوليكية تترنّح تحت وطأة فضائح التحرّش الجنسي واغتصاب أطفال، مع خروج قصص كهنة مفترسين في جميع أنحاء العالم. وككلّ مؤسّسة وسلطة دينيّة، دافعت الكنيسة عن نفسها وحاولت إخفاء الفضائح وكتابة تقارير تزعم أنّ بعض الانتهاكات سببها مشاكل في المجتمع المعاصر وحفنة من الكهنة. لكن من رومانيا إلى فرنسا مروراً بلبنان (المحكوم عليه منصور لبكي)، ظلّت تخرج تباعاً وقائع اعتداءات جنسية على الأطفال أجبرت رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرانسيس أول من أمس على وصف هذه الممارسات بأنّها «لحظة عار» في تاريخ الكنيسة، شاكراً الصحافيّين على المساعدة في الكشف عنها ومعرباً عن حزنه على الضحايا. لحظة اعتراف طالت، لكنها محمودة رغم كل شيء. لكن إذا عدنا إلى الوراء، نكتشف أنّ الكنيسة تعاطت بشكل مختلف مع هذه الاعتداءات. منذ ظهور السينما، انخرطت الكنيسة في حرب ضد القيم الحديثة والعلمانية. وخلال الثلاثينيّات، رأت في صناعة السينما فرصةً لوضع قانون أخلاقي اجتماعي مؤيّد لها، سعت من خلاله إلى التأثير المباشر على صناعة السينما من خلال مشاركتها في هيئات الرّقابة. في أميركا مثلاً، أنشأت الكنيسة «فيلق الحشمة»، بقيادة اثنين من كبار الأساقفة. كانت مهمة هذا الفيلق مراقبة عملية الرقابة على أفلام هوليوود والتأكد من الدقة «الأخلاقية» للفيلم. في ذلك الوقت، كانت فضائح التحرش واغتصاب الأطفال تبارح جدران الكنيسة. وفي حال خرجت، كانت الكنيسة تعرف تماماً كيف تخفيها. ولأنّ المؤسستين الدينية والسياسية تحتاجان لبعضهما، فقد كانتا تعرفان كيف تخفيان الفضائح عن وسائل الإعلام وعدسات السينما. ولو تسرّبت، كان السياسيّون يوظّفون نفوذهم لإخفاء كل أثر. مع انفصال الدين عن الدولة وتوالي الفضائح، لم يعد بمقدور الكنيسة أو السياسيّين إخفاء شيء. بدأت الصحافة بفضح الممارسات التي ظلّت مكتومةً، قبل أن تحمل السينما الشعلة وتنقل هذه الفضائح للوصول إلى جمهور أوسع وأكبر. لقد أصبحت السينما أداة مهمة لنشر هذه الفضائح أكان من خلال الأفلام التسجيلية أو الروائية. كل سنة، نشاهد أعمالاً من كل العالم تفضح هذه الممارسات وتدينها. وكل سنة تُمنع هذه الأفلام في لبنان وعالمنا العربي (فكرة الرقابة والمنع أصبحت سخيفة، فكل شيء متاح على الإنترنت). في ما يلي بعض الأفلام العالمية التي فضحت التحرش واغتصاب الأطفال على يد كهنة. أفلام متاحة على الإنترنت كما على منصّات الأفلام، على أمل أن تفتح هذه الأعمال عقول وعيون وقلوب مَن يشكّك في هذه الأخبار
«سبوتلايت» (2015)
Spotlight



في الولايات المتحدة، وتحديداً في بوسطن التي لطالما كانت مدينة خاصة بموقعها، ولكنة الناس، وتاريخ السينما الحافل بأفلام صوِّرت فيها، يأخذنا «سبوتلايت» للمخرج توم ماكارثي، إلى بوسطن عام 2002 لا ليقدّم أفلام الدراما المشهورة، لكن ليكشف لنا حقيقة حاولت الكنيسة التستر عليها لسنوات. قصة حقيقيّة عن أربعة صحافيّين قابعين في أسفل مقر جريدة «بوسطن غلوب»، يفجّرون فضيحة أخلاقية تخصّ رجالاً في الكنيسة: ثبت أنّ هناك كهنة يعتدون، منذ الثمانينيّات، على قاصرين، حتى تخطى عدد ضحاياهم الآلاف. كما ثبت أنّ هذه الأفعال كانت معروفة داخل الكنيسة وأن أساقفة أبقوا هذه الجرائم سريّة وأعادوا تعيين الكهنة المتّهمين في أبرشيات أخرى وفي مواقع استمروا فيها في الاحتكاك بالأطفال من دون رقابة، وبالتالي السماح للمعتدين بمواصلة جرائمهم. يبسّط الفيلم للمشاهد أحداث التحقيق الصحافي الاستقصائي الذي انطلق من مقال رأي إلى فضيحة أخلاقية وسياسية تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي بأطفال في الكنيسة الكاثوليكية. كانت الفضيحة قوية إلى درجة بدء التشكيك في الكنيسة بكاملها، لأن ما كُشف لا يدين كهنة فقط بل أساقفة غطّوا، وبطاركة برّروا، وسلطة سياسية حاربت الصحافة، وحتى أقارب ضحايا غضّوا النظر وثبّتوا أنفسهم بـ «الإيمان». سيناريو مثالي، مثبت بحوارات واضحة لقصّة مبنيّة على أحداث حقيقيّة، وفقط أولئك الذين لا يتجرّأون على رؤية الحقيقة يكذّبونها.

«النادي» (2015)
The Club



المخرج التشيلي بابلو لارين يفتح أبواب الجحيم ويدعوننا للمشاهدة. لكن في جحيم فيلم «النادي»، العذاب ليس الهدف، فقط الإمعان في الجانب المظلم والخبيث والضار الذي يمكن للإنسان أن يصل إليه. لا يحتاج لارين إلى المعارك في الحرب، ولا الاستعانة بالخيال العلمي أو بمؤثّرات تُثير الرعب في النفوس. إلا أنه أظهر لنا الجنة: بيت معزول على غرار البيوت الألمانية القديمة مع جدران صفراء بالقرب من الخليج الصغير، ومناظر جميلة للمحيط الهادئ. كل ذلك مع وجود أربعة كهنة، وراهبة. كلّهم يعيشون في هذا البيت. منعزلون للتكفير عن خطاياهم، وكل شخص يحتفظ بسرّ وحشي داخله. ينكسر التوازن والروتين المعتاد مع وصول شخص جديد، فيُفتح صندوق باندورا، مشرعاً الأبواب على أشباح الماضي. لا وجود للأفعال الجيدة في الفيلم. «النادي» هو حلقة مفرغة، هاوية إلى الجحيم. إنه لا ينتقد الكنيسة فحسب، بل كل السلطة الكنسيّة العاجزة عن معاقبة أعضائها. «النادي» قصة تُضاعف الشعور بالرعب النفسي كي تحافظ على المشاهد المتسمّر أمام أحداثها. دراما مصوّرة بألوان قاتمة، تعتبر كوميديا سوداء فقط لتفادي تأثيرها النفسي والمساعدة في هضم ما حصل.

«بفضل الرب» (2018)
By The Grace of God



عبارة قالها الكاردينال الفرنسي فيليب بارباران خلال مؤتمر صحافي للدفاع عن الأب بيرنار بريينات، أصبحت عنوان فيلم المخرج الفرنسي فرنسوا أوزون. «بفضل الرب» فيلم حاولت الكنيسة الفرنسية منعه لأنّ محاكمة الأب لم تنته بعد. الأب بيرنار، من ليون الفرنسية، اعتدى جنسياً على 80 قاصراً بين 1986 و1991، بينما حاولت الكنيسة التغطية عليه. حكم على الأب بتهمة الاعتداء الجنسي وعلى الكاردينال بارباران وعلى خمسة آخرين بتهمة التغطية على الاعتداءات والانتهاكات في محاكمة سمّتها الصحافة الفرنسية بـ «محاكمة الصمت». «بفضل الرب» اتهام سينمائي هادئ مثير لا يترك مجالاً لوجهَتي نظر. أوزون لم يكن حياديّاً، ليس هناك حياد في موضوع مماثل، ولكن معركته ليست مع الأب المعتدي فقط، بل مع السلطة الكنسيّة التي تتحمل مسؤولية كبيرة. والإدانة الأكبر هي لهذا النظام الذي وقف مكتوف الأيدي، تغاضى، غطّى، برّر، بل غفر أعظم الخطايا.

«مسيرة الشفاء» (2021) – Netflix
Procession



صليب أبيض على جدار أبيض، في غرفة نوم بيضاء حيث كاهن يجلس على زاوية السرير مع سروال وسيقان مفتوحتين. يقول، وهو يمسك بذراع صبي صغير لتقريبه: «عليك أن تعترف بكل شيء. الكنيسة الكاثوليكية كانت جيدة لك ولأمك ولأخيك، أختك. أنت لا تريد أن يذهب كل هذا، أليس كذلك. لذا أخبرني، ما الخطب الذي ارتكبته؟ ماذا عن تفكيرك في الفتيات؟ ماذا تفعل عندما تفكر في الفتيات؟ إذا كنت لا تستطيع إخباري، يمكنك أن تريني. أرني ما تفعل عندما يكون لديك أفكار غير نقيّة». هذا المشهد المزعج، يعُاد تصويره ومنبثق من ذكريات طفولة إد كاڤاغان. في وقت لاحق، اكتشف كاڤاغان أن القضية المرفوعة على هذا الكاهن المعتدي قد تم إسقاطها. لتنفيس غضبه، يحطّم كل الغرفة البيضاء بالمطرقة. «مسيرة الشفاء» وثائقي يتتبّع ستة ناجين تعرّضوا للاعتداء الجنسي من قبل قساوسة في الكنيسة الكاثوليكية، بينما يسعون للتغلب على صدماتهم من خلال علاج يركّز على إعادة بناء السيناريوهات التي عاشوها وتطوير سيناريوهات خيالية، بناء على تجاربهم الخاصة. يريد هؤلاء الناجون أخيراً مواجهة أشباحهم والقدرة على المضي قدماً. توم ومايكل ومايك وجو وإد ودان، يعيدون إحياء أكثر الذكريات إيلاماً لمواجهة وسحق مخاوفهم التي تطاردهم في حياتهم. بالنسبة إلى كثيرين منهم، مجرّد التواجد في الكنيسة أمر صعب. وفي الأشياء الصغيرة، تظهر الذكريات المكبوتة. بالنسبة إلى البعض، رائحة البخور والورنيش على المقاعد والكلور في المسبح والزجاج الملوّن والأثاث الخشبي الداكن تُعيد إليهم الذكريات القاسية. في الفيلم، كل ما يجلب الشعور بالراحة والأمان، استحال كابوساً لدى هؤلاء الضحايا.