لعلّ أهم ما في المناسبة البعلبكيّة، كان المناسبة نفسها. الاعلان عن عودة «مهرجانات بعلبك الدوليّة» (٣٠ تمّوز/ يوليو ـــ ٣١ آب/ أغسطس) إلى مدينة الشمس، مكانها الطبيعي، بعد انقطاع صعب. وكان خيار اللجنة الرمزي، المحمّل بالمعاني، هو استدراج كل الاعلاميين والشخصيّات السياسيّة من استقرارهم البيروتي إلى مؤتمر صحافي يعقد في العراء بين آثار باخوس، في مدينة الشمس، في عزّ الظهيرة، وعلى بعد ساعتين من العاصمة. إنّه تجديد العهد مع المدينة، فكما قالت رئيسة لجنة المهرجانات نايلة دو فريج مستحضرة فيروز «بتغيب كتير… وبترجع عَ دراج بعلبك». كل الاشارات والرسائل، خلال المؤتمر، كانت واضحة: من الضمانات الامنية والقرار المحلّي… إلى احتضان الأهالي الذين استقبلوا الضيوف بالطبل والزمر، مذكرين بأن مدينتهم متمسّكة بهويّتها ودورها وتاريخها موئلاً للانفتاح والتعدد والثقافة.
رئيس بلديّة بعلبك الدكتور حمد حسن كان لافتاً بكلمته الهادئة الواضحة التي تعكس نضجاً سياسيّاً ووعياً ثقافيّاً ورؤيا تنموية. ذكَر حماسة الأهالي، وتحيّة «كتلة الوفاء للمقاومة»، وأعلن «طي الحقبة الماضية، وما واكبها من إعلام مضلل». في الاتجاه نفسه ذهب وزير الثقافة ريمون عريجي، الذي ركّز على «ايماننا بالفن والثقافة والعيش المشترك»، متوقفاً عند «اصرار المدينة على استعادة دورها». الوزيرة السابقة ليلى الصلح حمادة حملت للمؤتمرين بركات الوليد بن طلال و«مؤسسته الانسانيّة»، وتحدثت عن «بلسمة الجراح». قالت كلمات من نوع «مقاومة، صمود، بقاء». تحدثت عن «مناخ مظلم يخيّم على الوطن»، لن يقف عائقاً بوجه رهانها على الابداع. وختمت بجملة سمعناها منها حرفياً العام الماضي في المناسبة نفسها: «ستبقى بعلبك عصيّة على الاستسلام». وزير السياحة ميشال فرعون أكّد أن بعلبك «بوصلة لسلامة الثقافة والأمن والاستقرار»، وقال جملة حكيمة مفادها أن بوسعنا ادارة خلافاتنا تحت سقف الأمن… وفي الآن نفسه اطلاق السياحة والثقافة».


الافتتاح مع
الاستعراض الغنائي «عاصي… الحلم»

لكن كما ذكرنا في البداية، أهم ما في الحدث كان اطاره. المهرجان نفسه، مسألة أخرى. البرنامج هذا الموسم، على جودته، لا يحمل ما يكفي من الدهشة والمفاجآت التي تليق ببعلبك… وطريقة تقديم المواعيد الخمسة افتقرت الى الحماسة اللازمة، بل إلى الدقة والعمق والاحاطة بالتجارب المختلفة. سيحقق عاصي الحلاني أخيراً حلمه الذي يحدثنا عنه منذ عامين بالوقوف على دراج بعلبك. استعراضه الغنائي «عاصي… الحلم» الذي تأجّل العام الماضي سيعود بلوحاته الراقصة، وأغنياته الخاصة، ليكون افتتاح المهرجان (٣٠/ ٧ ثم ١/ ٨). الكوريغرافيا لفرانسوا رحمة، والاخراج لجو مكرزل، الذي حضر بالنيابة عن النجم، قال كلمتين عن كل ذلك. الباقي كلّه على عاصي… الموعد الثاني كلاسيكي أوبرالي، مع المغنية الرومانية أنجيلا جورجيو (٣/ ٨) التي يرافقها ألكسندرو بتروفيتشي على البيانو، في معبد باخوس، لكنّنا لن نعرف أكثر عن برنامج الديفا التي يكتفي البرنامج باعلامنا أنّها «خليفة ماريا كالاس».
المفاجأة التي ستجذب جمهوراً من نوع خاص إلى بعلبك، هي الأمسية التي يحييها ظافر يوسف (مكتوبة «ضافر» في البرنامج) بعنوان «مرثيّة الطيور» (١٠/ ٨). يحمل الفنّان التونسي إلينا عمله الجديد المشبع بالمناخات الصوفيّة المعاصرة المطعّمة بالجاز.
يعود ظافر الى مدينة يعرفها وتحبه، بعوده، وموسيقاه المتأمّلة الحزينة، وصوته الذي يخترق الأعماق، يرافقه الناي التركي حسنو سلنديريتشي والغيتار النروجي إيفيند آرسيت. الموعدان الباقيان يتأرجحان بين السيرك الشعبي والمسرح.
فرقة «أصابع اليد السبعة» الكنديّة تقدّم استعراضاً بهلوانياً مدهشاً بعنوان «اللقطة الثامنة»، يجمع بين عناصر الفرجة والرقص والموسيقى والسيرك والمؤثرات السحريّة (١٦/ ٨). ومسك ختام بعلبك موعد لهواة المسرح، مع نص مارغوريت دوراس «موزيكا ٢» الذي يجمع بين الثنائي الأسطوري جيرار دوبارديو وفاني آردان (٣١/ ٨). لا نعرف الكثير عن هذه التجربة، ليس هناك ذكر لاسم المخرج حتّى. نعرف أن فاني آردان التي جاءتنا في ٢٠٠٩ حاملة فيدرا وميديا إلى معبد باخوس، سبق لها أن قدّمت النص نفسه أواسط التسعينات مع نيلس أرستروب من اخراج برنار مورا. ترى كيف سيكون لقاؤها بشريكها القديم على الخشبة، وقد تغيّر كثيراً منذ لقائهما الاستثنائي عام ١٩٨١ في فيلم فرنسوا تروفو «امرأة الجوار»؟