مع مرور نحو أسبوع على الأزمة المفتَعَلة خليجياً مع لبنان على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي لبرنامج «برلمان شعب» (الجزيرة أونلاين)، بدأت تتظهّر أجندات أخرى. بعد فشل الحملة الشعواء (تواطأ معها الإعلام المحلي المهيمن) على وزير الإعلام والدعوة الى إقالته، أُصْلِتت سيوف أخرى على رقاب اللبنانيين، بعدما أُمطر هؤلاء بوابل من التهديدات وحفلات التهويل وقطع الأرزاق في الأيام الأخيرة، على إثر التصعيد السياسي والدبلوماسي الخليجي، الذي وصل إلى حدّ القطيعة التجارية وطرد السفراء اللبنانيين من دول الخليج، وتمدّد الأزمة الى الداخل وشنّ الحروب الافتراضية على قرداحي.
كرّرت قناة «المرّ» السردية التي فرضها وزير الخارجية السعودي

في الساعات الأخيرة، انتقلنا إلى استراتيجية جديدة، قادها هذه المرة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، إذ ظهر أول من أمس على وسائل إعلام سعودية وعالمية، وحسم القضية، قائلاً بأن الأزمة لا تتعلّق بتصريحات تلفزيونية أدلى بها وزير الإعلام اللبناني، بل تطاول «حزب الله» وما وصفه بـ «هيمنة» الحزب على لبنان، وعلى نظامه السياسي. وأكّد الوزير بأن لا أزمة خليجية مع لبنان. تصريحات بن فرحان سرعان ما تنقّلت بين المنابر الإعلامية المحلية، وتحديداً تلك التي تتصدّر المشهد الإعلامي في الداخل. تبنّت هذه الوسائل مضمون التصريحات من دون اتخاذ أي مسافة نقدية إزاء ما نطق به الوزير السعودي، إلى جانب تعميم أرقام الصادرات والواردات من دول الخليج إلى لبنان، ومدى «الخسائر» التي ستحلّ على رؤوس اللبنانيين جراء المقاطعة الخليجية.
هكذا، خرجت سردية واحدة كرّرتها الشاشات اللبنانية، تمثّلت في إهمال ما قاله قرداحي الذي يندرج طبعاً ضمن حرية التعبير، بعد فشل الحملة عليه، لتنتقل إلى المستهدَف الأساسي من هذه الأزمة، أي «حزب الله»، مع تنحية قرادحي جانباً. وبعدما شكّلت mtv، بوقاً إعلامياً تحريضياً طيلة الأيام الماضية، حتى بدت كأنّها الناقل الرسمي لكل تهويلات المملكة وباقي دول الخليج، دخلت أول من أمس في جوقة بن فرحان، وردّدت كلامه، لا بل عملت على تثبيته لدى المتابعين. هكذا، خرج علينا سامي نادر، خبير الشؤون الاقتصادية والسياسية في نشرة الأخبار المسائية على mtv، ، ليؤكد بأن الأزمة لا تتعلق بقرداحي، بل «بسيطرة حزب الله على لبنان»، ووضعه البلد في «المحور الإيراني»، وقطع علاقاته مع دول الخليج. راح نادر يهوّل بالتداعيات الاقتصادية «المرعبة» التي قد تسبّبها هذه القطيعة، إضافة إلى نتائجها المباشرة على برنامج «صندوق النقد الدولي» والدول المانحة التي يدور أغلبها في فلك الخليج. وفي النشرة عينها، تكرّرت هذه السردية، بطريقة أخرى، إذ استعرضت المحطة حجم التبادل التجاري بين لبنان ومجلس التعاون الخليجي.
ركّزت «الجديد» وlbci وmtv على «خسائر لبنان» جرّاء المقاطعة الخليجية

بحسب المُعدّ (نخلة عضيمي)، لم ينخفض هذا التبادل منذ عام 2018، «رغم هيمنة حزب الله على مفاصل الدولة»، و«تهريب الكبتاغون» (!) ليخرج بعدها رئيس «جمعية تجار بيروت» نقولا شماس، ويقول بأن الاعتذار لم يعد كافياً، و«ينبّه» إلى خطورة إيقاف التحويلات المالية من اللبنانيين المغتربين إلى ذويهم في لبنان. لا شك في أنها نقطة حساسة للغاية، تتعلق بلقمة عيش اللبنانيين في الداخل، في ظل الأزمة المعيشية الخانقة. ورقة استُخدمت في الابتزاز السعودي للبنان، وعُمّمت على القنوات اللبنانية، إذ شاهدنا دخول lbci على هذا الخط. أوردت المحطة أنّ أرقام التحويلات المالية إلى الداخل تصل إلى 16 مليون دولار يومياً، ونصف المبلغ آتٍ من الخليج. وركزت القناة في تقرير ضمن نشرة أخبارها أول من أمس، على قضية التحويلات، التي تساعد اللبنانيين في تخطي أزماتهم الاقتصادية في ظل غياب شبكة أمان مالية تقدّمها الدولة لهم. هكذا، دعا التقرير إلى «حماية المغتربين» وعدم تهديد أرزاقهم، جراء «مواقف سياسية في غير محلها». والمقصود هنا، بالطبع، تصريحات قرداحي. على مقلب «الجديد»، لم يكن الأمر ببعيد عن هذه الجوقة. وصفت المحطة في مقدمة نشرة أخبارها قرداحي بـ «الضحية» التي «ذهبت فرق عملة». وردّدت بأن استقالة ميقاتي وحتى وزير الإعلام، لن تقدم شيئاً في ظل «الشكوى السعودية» من «هيمنة حزب الله» على الحكومات اللبنانية. وفي تقرير إخباري (ثلاث دقائق)، عدّدت المحطة «خسائر لبنان» جراء المقاطعة الخليجية، من سلع وصادرات، وتبادل تجاري، يصل إلى 4.5 مليارات دولار سنوياً مع الخليج. وفي ظل الهيمنة السعودية على الإعلام المحلي اللبناني، وفرض مشيئتها عليه، والسرديات التي تناسبها، برز تطوّر لافت تمثّل في دخول «تلفزيون لبنان» ولو بشكل عرضي، ضمن الفلك السعودي. يوم الجمعة الفائت، أوردت القناة الرسمية بأنّ تغريدة السفير السعودي وليد البخاري، التي أعلن فيها القطيعة مع لبنان، كانت «كفيلة بإيصال الرسالة»، مشيرة، في مقدمة نشرة الأخبار، إلى أنّ لبنان لا يتحمّل القطيعة الخليجية. لا شك في أنّ مضمون المقدمة شكّل رسالة سعودية واضحة حاولت اختراق الإعلام الرسمي اللبناني، الذي يتبع لوزارة الإعلام. تبعت ذلك قرصنة «الوكالة الوطنية للإعلام»، ونشر صور للأمراء السعوديين على صفحاتها مع تهجّم على قرداحي. مشهد ينضم إلى ما حصل في «تلفزيون لبنان» من محاولة سطو سعودي على ما تبقّى من إعلام رسمي في البلاد بعدما هيمنت المملكة على أبرز المنصات الإعلامية في لبنان.