بعيداً من التحليلات السياسية الكثيرة لحفلة الجنون التي أدارتها السعودية وانسحبت على دول خليجية أخرى على إثر نشر كلام سابق لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل تولّيه منصبه الحالي بقوله إنّ الحرب على اليمن «عبثية يجب أن تتوقف»، وبعيداً أيضاً من خلفيّات التهديد والوعيد وخطوة سحب السّفراء الخليجيّين تباعاً من لبنان وطلب الرياض من السّفير اللبناني مغادرة الرياض، تطفو إلى السطح مجدّداً مسألة العقلية «القبلية» التي تهيمن على هذه الدول في وضع سياساتها الخارجية كما الداخلية، فقد تندفع في أي لحظة إلى شيطنة من يخالفها الرأي على قاعدة «من ليس معي فهو ضدي».
(بدر بن غيث ــ الكويت)

من هنا... من هذا المبدأ تنطلق أنظمة هذه الدول لتكون سباقة في إسكات أي نقد وأي صوت ينادي بالإصلاح والتغيير أو يسلّط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فيها، خوفاً من تعاظم دور أي معارضة لأنظمة الحكم فيها. قد يشفى غليل البعض إذا ما حوكم القرداحي على رأيه مثلما دأبت هذه الدول على محاكمة ناشطين وحتى مواطنين عاديين عبّروا عن آرائهم السياسية ومارسوا نشاطهم الحقوقي بحرّية، كالناشطة الحقوقية السعودية لجين الهذلول التي حكم عليها بالسجن خمس سنوات وثمانية أشهر عام 2018 بعد اتهامها بالإرهاب ووصفها بالخائنة على خلفية نضالها لتحقيق إصلاحات على مختلف الجبهات في السعودية، خصوصاً في ما يتعلق بحقوق المرأة في البلاد، فتعرضت لأشكال متعددة من التّعذيب والاعتداء الجنسي.
أفرج عن الهذلول في شباط (فبراير) عام 2020، بيد أنّ عشرات معتقلي الرأي كفاطمة آل ناصيف، ومحمد الحبيب ورائف البدوي وغيرهم ما زالوا يتعرضون للاعتقال والتعذيب، فضلاً عن التهديد بالإعدام على خلفية آرائهم السياسية. فمن يعبّر عن رأيه «المعارض» في المملكة، يعتبر «خارجاً عن طاعة ولاة الأمر»، ويحاكم في المحاكم الجزائية المتخصصة أي في محاكم الإرهاب.
إذاً تستخدم السعودية ودول خليجية أخرى قانون الإرهاب ضد النشطاء. أمر كرّرته دول عدة كفنلندا والسويد والدنمارك وحتى الولايات المتحدة الأميركية أمام مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الـ 48، داعين الرياض إلى منح الأفراد حقّهم في حرّية الرأي والتّعبير. تشاطر البحرين جارتها السعودية في التّوجه العدواني عينه تجاه أي مواطن أو ناشط يعبّر عن رأيه حيال القضايا المصيرية في البلاد أو يطالب بإصلاحات. سجونها تغص بآلاف المعتقلين السياسيين الذين يتعرّضون لأبشع أنواع التّعذيب وفق ما تؤكد المنظمات الحقوقية هناك.
تجري اليوم مثلاً مطالبات حثيثة للإفراج عن عبد الجليل السنكيس وهو مدوّن قضى أكثر من 10 سنوات في السجن، يخوض إضراباً عن الطّعام منذ ما يقرب ثلاثة أشهر احتجاجاً على المعاملة التي يتلقاها في السجن وسط مخاوف كبيرة على صحته. ولا تزال تثار المخاوف لا سيما الغربية منها بشأن مصير عدد لا يستهان به من سجناء الرأي والسجناء السياسيين منهم رئيس المعارضة البحرينية حسن مشيمع الذي لا تزال تتدهور صحته وسط انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان. وكلجين الهذلول في السّعودية، تعرضت العديد من النساء في البحرين للاعتداء كالناشطة البحرينية ابتسام الصائغ والنّاشطة البحرينية نجاح يوسف التي اعتقلت تعسّفياً في عام 2017، وقالت إنّها تعرضت للتعذيب والاعتداء الجنسي بعد أسبوع من نشر مشاركة على فايسبوك تنتقد فيها سباق البحرين (فورمولا واحد) لعام 2017، معتبرة أن جائزة البحرين الكبرى ليست سوى وسيلة لأسرة آل خليفة لتلميع سجلّهم الإجرامي وانتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان.
زجّت البحرين بالعشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان في السّجن بسبب تغريدة مثلما حصل مع المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب، الذي أفرج عنه العام الماضي بعدما قضى سنوات في السجن تعرض خلالها للتعذيب بسبب تغريداته التي انتقد فيها التّعذيب داخل السّجون البحرينية والحرب التي تقودها السّعودية وحلفاؤها في اليمن. وتضمّنت لائحة الاتهامات الموجّهة إليه في ذلك الوقت إهانة السّلطات العامة وإهانة بلد أجنبي.
يستخدم النّظام في البحرين تشريعات واسعة النطاق للجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب في سبيل قمع حرّية التّعبير والنّشاط على الإنترنت، وفق ما تؤكد «منظمة أميركيون من أجل الدّيمقراطية وحقوق الإنسان». لا تختلف الحال في الإمارات التي أصدرت حكومتها في العام 2014 قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب يشمل أنشطة سلميّة على نطاق أوسع. إذ يسمح بمقاضاة المتظاهرين السّلميين والمعارضين السّياسيين ونشطاء حقوق الإنسان باعتبارهم إرهابيين.
وفي الإمارات، غالباً ما تتمّ مقاضاة النشطاء بسبب النقد السياسي السّلمي. يتبع ذلك عدد من الاعتقالات التعسّفية وصولاً إلى التّعذيب وسوء المعاملة. ومن بين سجناء الرّأي المحتجزين أحمد محمد الملا، وعبدالله إبراهيم الحلو، وأحمد منصور الذي ألقي القبض عليه عام 2017 بتهم تتعلق بالتعبير عن الرأي بعد نشره على فايسبوك منشورات تنتقد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة في الإمارات.