رغم أنها لم تعد تظهر على التلفزيون منذ زمن طويل، إلا أنّها ما زالت تحافظ على القيمة النوعية التي صنعتها لنفسها كممثّلة! بغضّ النظر عن أيّ مواقف سياسية قد لا تُرضي جزءاً من الجمهور، يمكن الحديث عن ريم علي كممثلة من طراز رفيع. تركت صدى طيّباً عند غالبيّة مشاهديها. لكنّ التجسيد ليس كأي مهنة. ربما تصدأ أدوات الممثل، إذا أخذ إجازة قسرية طويلة، ولم يعد يستخدمها. نتيجة للظرف الذي عاشته سوريا وسفر بطلة «قلبي معكم» (أمل حنّا وسامر البرقاوي) واستقرارها النهائي في فرنسا، حيث نالت الجنسية، لم يعد متاحاً لها أن تكون حاضرة كما تستحق موهبتها. جاءت فرصة عودتها إلى الدراما العربية عبر مسلسل «حضور لموكب الغياب» (تأليف محمد ماشطة بشراكة سيف عبد العزيز وإخراج سيف الصمادي إنتاج «أمالكو فيلم»). التقيناها في موقع التصوير في الأردن وكان سؤالنا الأوّل عن الصيغة الذي يمكن أن ينتهجها الممثل حرصاً على مفرداته الأدائية من التراخي، إذ لم تعد مجريات حياته تسمح له في العمل بالسوية نفسها التي كان عليها. أجابتنا بالقول: «الكلام في هذا الخصوص جوهري جداً. في الأحداث والظروف التي عشناها، فقدت كثيراً من الحساسية التي يمتلكها الممثل بسبب ازدحام الكوارث التي عايشناها وتابعناها على الإعلام. لذا لا يمكن أن تحمي نفسك وأنت تعيش في هذا اللهيب. لكن مجرّد العودة للعمل في هذا المسلسل، بدأت تستحضرني بدفق هائل مشاعر عاينتها، أو عاشها أشخاص قريبون منّي. لأختصر المسألة، هي تشبه شخصاً يعرف قيادة السيارة مثلاً، وانقطع عنها لوقت طويل، لكنّه بمجرد أن أمسك بالمقود، شعر بأنه ما زال قادراً على التوازن. أعتقد أن الفترة الماضية بمرارتها زادتني خبرة. المأساة موجودة لكنّ من غير الممكن أن يتوقّف المرء عن الحياة ومحاولة الإنجاز!»هل برأيك ابتعاد الإنسان عن مكانه الأول، و البحث عن وطن بديل، أي معاصرته الغربة الفعلية في وقت تتآكل فيه بلاده، ثم محاولته التأقلم مع الوضع بمنطوقه الجديد، وأسلوبيته المختلفة، بعيداً عن كلّ ذاكرته... هل هذا يحفر في الوجدان بشكل أعمق، وبطريقة تعطي للممّثل قدرة على العطاء بسوية أفضل، أم أن الموضوع يرتبط بالجانب الإنساني فقط؟ وإن كان كذلك، فإلى أي حد يؤثر في شخصية الممثل؟ ترد: «أن تكون خارج بلدك ووطنك هي غربة... والغربة جرح. أعطاني كممثلة الخبرة، لكنّني لا أتمناها لأحد لأنّها مصنوعة على نصل الاستغراب من كلّ شيء حولك. عندما قدمت إلى عمّان وبمجرّد أن بدأت التصوير في هذا المكان، وتحت سمائه ونجومه، وفي جغرافيّته وطقسه وتفاصيله المألوفة، كونها قريبة جدّاً من سوريا، استفاض الحنين للماضي والناس والمقرّبين والمحيط الذي ولدنا وعشنا فيه عمراً».
تجسّد شخصية جولييت الأرملة المسيحية التي تربّي طفلها، إلى أن يأتي شخص يتقدم لزواجها


طيّب، ماذا عن الجنسية الأخرى التي أصبحت تحملها، هل هي سياج عالٍ في هذا الواقع الذي نعيشه، أم هي توطئة لابنتها، لتكبر بدون الخوف مما يعيشه السوري، لاسيما أن هذا الموضوع هو حلم؟ تجيب: «من المؤكد بأن الجنسية الأخرى تحميك، وتشعرك بكرامتك وإنسانيتك، وتخلّصك من شعور الصفر على يسار الرقم. الجنسية الفرنسية جعلتني أتخلّص من أصعب كلمة كانت سترتبط بي مدى الحياة وهي لاجئة».
لكن ربما يظن أحد متابعي ريم علي بأنها قبلت بهذا العمل لأنه لا بد من الظهور ولو كانت الفرصة دون المأمول، فهل هذا ما حصل فعلاً، أم أنها انتقت بعناية دورها في «حضور لموكب الغياب» كباقي المسلسلات التي كانت تُطرح عليها عندما كانت في عزّ عطائها؟ تجيب: «تهمّني العودة إلى الشاشة ليشاهدني الجمهور ويتذكّرني. عُرضت عليّ أعمال خلال السنتين الماضيتين ورفضت لأنني كنت في حيرة، لكنني حسمت أمري مع دعوة محمد ماشطة كاتب هذا النص. هناك أشياء كثيرة تغيّرت كان لا بد من العودة للإطلاع مجدداً على ما آلت إليه أمور الصناعة. اللطيف بأننا اجتمعنا كفريق عمل بشوق كبير من دون أن يصنع هذا البعد والشتات بيننا أي شيء، سوى المزيد من الرغبة للعمل معاً». ماذا عن الشخصية التي تلعبها في العمل؟ تشرح بالقول: «جولييت أرملة مسيحية تربّي طفلها، إلى أن يأتي شخص يتقدم لزواجها على أساس أنه من الدين نفسه، لكن الحقيقة أنه من دين مختلف ادّعى ذلك ليقدر الارتباط بها. الصُدف تجعلها تهرب مع حبيبها، وإلا سيكون القتل في انتظارها بسبب طبيعة مجتمعاتنا والخوف من اختلاط الطوائف. المفارقة بأنه سيكون شخصاً قاسياً معها إلى درجة فظيعة. ورغم أنها تخلّت عن أهلها وكلّ محيطها وربت أطفالها وصنعت منهم أشخاصاً ناجحين، إلا أنّ تفانيها لا أحد يلتمسه. هذا كلّه كان بمثابة عناصر جذب بالنسبة إليّ وإلى المشاهد بحسب ظنّي».
أما عما كان ينقص العمل من وجهة نظر بطلته، فهو «كان بحاجة قيم مضافة، رغم جاذبية الحكاية، لكن البنية الدرامية في المشاهد بحاجة إلى شغل. الحوارات بحاجة لتقوية. التمايز بين الشخصيات يحتاج تعميقاً أكبر. وفي النهاية أي عمل فني بنيته الأساسية هي النص، وتقويته تقع على عاتق المخرج والممثلين مع الكاتب الذي كان متفهّماً لوجهات النظر بمنجزه. وبالنسبة لشركة الإنتاج، هي في البدايات وتنقصها الخبرة، من يوم إلى آخر تكتشف شيئاً جديداً».
وعن المضامين السياسية في العمل، وإمكانية أن تكون هناك إسقاطات بليغة، تقول: «نقدّم قصة حقيقية عايشتها عائلة المنتج سيف عبد العزيز! لذا نحن أمام حالة مباشرة لشيء حدث في أحد الأيام، قد يحتمل الكثير من التأويل على اعتبار أن كل الشعوب العربية، يمكن أن تكون في لحظة ما ضحايا سياسات خارجية وداخلية».