صحيح أنّ سياسة نتفليكس أبعد ما تكون عن عرض سينما المؤلف والأفلام المستقلة. هي لم تدّع ذلك من الأساس. ومن البديهي بالنسبة إلى منصّة الستريمنغ الأميركية أن تختار الأفلام التجارية أو الخفيفة أو تلك القادرة على استقطاب أكبر عدد من المشتركين. هذا هو معيارها الأوحد. انطلاقاً من هذا الهاجس التجاري، نراها منذ فترة تنفتح على أماكن كانت قصيّة حتى وقت قريب مثل كوريا، بحثاً عن أسواق جديدة. وقبل أسبوع، أعلنت عن إطلاقها مجموعة «قصص فلسطينية» تتضمّن حزمة من 32 فيلماً لسينمائيين عرب وفلسطينيّين تدور في فلسطين وعنها. لكن الأمور تتشابك أكثر لدى الاقتراب من منطقتنا الملتهبة. إذا ما نظرنا إلى لائحة الأفلام المختارة، يمكننا تكوين صورة واضحة عن السياسة التي تحكم هذه الخيارات. الأولوية لأفلام تقارب بسخرية وفكاهة وكوميديا تفاصيل من الحياة اليومية الفلسطينية، أو همّاً يعدّ تفصيلاً ثانوياً في جدارية الألم الكبيرة التي اسمها فلسطين. هناك بعض الأعمال التي تلجأ إلى التمييع والخفّة و«قلة النزاهة» الفكرية كأن تبشّر بالتآخي والسلام بين الأديان في فلسطين... كأنّها تريد أن تقول لنا بشكل مضمر، بأنّ الصراع ديني، أن تصرف النظر عن جوهره وأساسه، أي أنّه صراع استعمار وشعب مستَعمَر. هذا ما يمكن استنتاجه من جولتنا على الخيارات، طبعاً مع استثناءات قليلة مثل الأعمال العميقة التي تحمل توقيع ايليا سليمان، وآن ماري جاسر، وغيرهما. هنا نقدّم للمشاهد اقتراحاتنا (لا تخلو من النقد طبعاً) لبعض الأعمال التي يمكن مشاهدتها
«رجل يغرق» (2017)
A Drowning Man – مهدي فليفل



فيلم «رجل يغرق» القصير (2017 – 15 دقيقة) للمخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل، يسير على خطى الفيلمين الوثائقيّين القصيرين Xenos (2013) وA Man Returned (2016)، اللذين يُظهران حياة لاجئين من مخيم عين الحلوة في أثينا. شاب (عاطف الشافي) لا نعرف اسمه هو الغارق في «رجل يغرق». يسير في شوارع أثينا، بعيداً عن فلسطين في مدينة غريبة بحثاً عن المال القليل والطعام والسجائر لقضاء يومه، ويضطر لتقديم التنازلات لمجرد البقاء على قيد الحياة حيث تزداد الحياة صعوبة يوماً بعد يوم. بفيلم حميم جداً، وبحسن نية، يركز مهدي فليفل على بطله ويقترب من أزمة اللاجئين في أوروبا، من دون أن يضعنا في موقع الشاب أو يحاول استدراج عواطفنا. ولهذا السبب، أبعدنا مهدي فليفل عما يحدث. جعلنا مراقبين فقط من دون التورط عاطفياً في كل ما يحدث. فكان الشاب بعيداً عنا وعن فلسطين وعن القضية. الفيلم يقارب أزمة اللاجئين في أوروبا، أكتر مما يقارب فكرة اللجوء الفلسطينية. من هنا يمكن القول بأنّه لو لم يذكر المخرج أن الشاب فلسطيني، كان يمكن أن يكون من أي دولة عربية أخرى، فيخرج الفيلم من مضمونه الفلسطيني. لذلك، هذا الاستسهال يقارَب من فكرة استعمال القضية لأسباب شخصية أكثر مما تكون القضية هي المحور الأساس.

«اصطياد الأشباح» (2017)
Ghost Hunting – رائد أنضوني



في محاولة لإعادة بناء شهادات مختلفة لسجناء سابقين تعرضّوا للتعذيب في السجون الإسرائيلية، التقط المخرج الفلسطيني رائد أنضوني بالكاميرا صورةً للمعاملة المهينة والوحشية التي كان يتعرض لها السجناء الفلسطينيون في سجن المسكوبية في القدس. موضوع الوثائقي واضح وصريح، حيث يُطلق أنضوني والسجناء السابقون والممثلون مخاوفهم العميقة. أعاد أنضوني خلق الاستجواب والتعذيب والحرمان والإهانة في فيلم ثقيل بعض الشيء. قد يشعر بعضهم أنّه مبالغ فيه، لكن هذا بالضبط ما يحدث في السجون الإسرائيلية.

«إجرين مارادونا» (2019)
Maradona’s Legs – فراس خوري



خلال كأس العالم 1990، يبحث طفلان فلسطينيان عن «إجرين مارادونا»، آخر صورة يحتاجانها لإكمال ألبوم صور كأس العالم والفوز بلعبة «أتاري». الفيلم القصير «إجرين مارادونا» (25 دقيقة) للمخرج فراس خوري، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الفلسطيني من خلال مشجعين صغار لمنتخب البرازيل. يخبرنا عن معنى عدم وجود منتخب وطني، وعلى عشاق كرة القدم دعم فرق أجنبية. قصة لطيفة لا طنانة، تركز على الفرد وكفاحه ورغباته والشغف بالتحرير والثورة والحياة. الفيلم خفيف، يمر مرور الكرام على السياسة من دائرة الرياضة، ويكمل طريقه كقصة أطفال يحاولون الثورة على «الإجرين» لا أكثر ولا أقل.

«3000 ليلة» (2015)
3000 nights – مي مصري



في «3000 ليلة» المستوحى من قصة حقيقية وصوِّر في سجن حقيقي، تتبع المخرجة مي مصري رحلة أمّ شابة تحاول البقاء على قيد الحياة داخل السجن. بعد اتهامها بمساعدة مراهق بالهرب، تجد ليال (ميساء عبد الهادي) المتزوجة حديثاً نفسها في سجن مخصّص للنساء مشدد الحراسة للسجناء الفلسطينيّين والإسرائيليّين. بعد اكتشاف ليال بأنها حامل، تضغط عليها مديرة السجن لإجراء عملية إجهاض والتجسس على السجناء الفلسطينيّين. مرعوبة لكنها متحدية، تلد طفلها مقيَّداً بالسلاسل. من خلال كفاحها لتربية ابنها خلف القضبان، تمكنت ليال من إيجاد إحساس بالأمل ومعنى لحياتها. عندما تتدهور أوضاع السجن ويقرر الأسرى الفلسطينيون الإضراب، تحذرها مديرة السجن من الانضمام إلى الإضراب وتهدّدها بأخذ طفلها بعيداً. في لحظة الحقيقة، تضطر ليال لاتخاذ قرار سيغيّر حياتها إلى الأبد.

«بنبونة» (2017)
Bonboné – راكان مياسي



استناداً إلى أحداث حقيقية، يدور الفيلم القصير «بونبونة» (15دقيقة) للمخرج راكان مياسي حول الطرق البديلة المبتكرة الذي يقوم بها السجناء الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية مع زوجاتهم لإتمام الحمل. «بونبونة» فيلم شاعري جريء، قصة حبّ وجنس وحياة عن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيّون وإصرارهم على الحياة. على الرغم من قوة الفكرة الحقيقية التي يتكلم عنها الفيلم، إلا أنّ المخرج صوّرها بطريقة بعيدة كل البعد عن المضمون. أكثر من نصف الفيلم هو فقط محادثة هاتفية بين زوجين يفصل بينهما حائط زجاجي. محادثة جنسية تحاول فيها الزوجة إثارة الزوج ليصل إلى النشوة. قارب المخرج الموضوع بطريقة سخيفة، على الرغم من أن ما يحصل في الحقيقة بعيد كل البعد عما صُوِّر في الفيلم. لكن المخرج أراد فقط الذهاب إلى الجرأة من دون التكلم عن الموضوع بالطريقة التي تليق به.

«ملح هذا البحر» (2008)
Salt of The Sea – آن ماري جاسر



في باكورتها الروائية، قصت علينا المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر قصة ثريا (سهير حماد) التي تعيش في بروكلين، وقد أرادت لسنوات العودة إلى أرض أجدادها في يافا، حيث عاش جدها وفقد منزله عام 1948. تتوق لزيارة منزل جدها واستعادة الأموال المتبقية للعائلة في حساب مصرفي. عند وصولها إلى مطار بن غوريون، تخضع ثريا للاستجواب والتفتيش الجسدي. لقد نجحت أخيراً في اجتياز هذه الظروف المهينة. تبقى لفترة وجيزة مع صديق لها في رام الله. في البنك، قيل لها إن حساب جدها تم تجميده ومصادرته عام 1948. تشارك ثريا سخطها مع عماد (صالح بكري)، الذي يعمل في مطعم تتردّد عليه ثريا. حاول عماد الحصول على تأشيرة للسفر إلى كندا حيث حصل على منحة دراسية. لكن هذا الحلم تحطم عندما رفضت تأشيرته للمرة الرابعة. عماد الغاضب يشعر كأنه يعيش في سجن. خطة جريئة توضح مع صديقه صانع الأفلام، فتمكّن الثلاثة من تذوق طعم الحرية الجديدة.

«قصص فلسطينية» على نتفليكس

إيليا سليمان – يد إلهية
لمّا شفتك
طريق السمّوني