شغفٌ حمَلها لمواجهة محيطها وبيئتها وعائلتها، لتحقّق ذاتها في عالم التمثيل، فكان لها ما أرادت منذ بداياتها في المسرح والسينما من أبوابهما العريضة، إذ تلقّفها كبار المخرجين في المجالين، وتشكّل وعيَها وذائقتها وثقافتها عبر احتكاكها بالمعلّمين والروّاد في لبنان وخارجه، إذ صقلت موهبتها أكاديمياً وصولاً إلى متابعة دراسة الماجستير في باريس. عملت في التلفزيون خلال حقبة التسعينيات التي كانت محمّلة بأحلام (والأوهام؟) زمن السلم ووطن يلملم ركام الحرب، محاولاً استعادة نهضته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ثمّ ابتعدت عن الشاشة الصغيرة لتعمل في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقيات وتتفرّغ للمسرح والسينما، قبل أن تعود إلى الشاشة الصغيرة منذ فترة. كارول عبّود التي تشتغل على كل دور بدقة الجوهرجي، مهما صغرت أو كبُرت مساحته، تبدو كمن يغرّد خارج السرب هذه الأيام. إنّها من الجيل الوسيط من الممثلين اللبنانيين، ذلك الجيل الذي يشتغل على الشخصية التي يتقمّصها، بكل تفاصيلها وحركاتها وتركيبتها النفسية والاجتماعية، قبل أن تغرق الدراما التلفزيونية في مطبّ الاستسهال والربح السريع والوجوه «الجميلة» التي لا تجتهد لتشييد الشخصية التي تؤديها.«الحياة بنظري خيارات ولو صغيرة. إنّها مجموعة من التراكمات الإنسانية التي صنعتني فنياً أيضاً. الحياة سلسلة من اللقاءات البنّاءة، التي تضع الإنسان على تماس مع المجموعة في اللحظة الحقيقية. فمنذ خياري الأول، أي دخولي معهد الفنون الجميلة لدراسة التمثيل والإخراج، ولقائي وتدريبي على يد أساتذة كانوا رواداً في عالم المسرح والسينما، ومن ثم تجاربي الفنية مع روجيه عساف ويعقوب الشدراوي وجواد الأسدي وسليمان البسام لاحقاً وفي السينما أمثال غسان سلهب وسليم مراد... كل هذه التجارب هي ما صنعني. أمّا خياري الثاني، الذي لم يكن سهلاً، بل كان مكلفاً، هو الإصرار على الانتقائية على المستوى الفني في أي عمل أشارك فيه. وهذا ينبع في الدرجة الأولى من احترامي لنفسي ولمهنتي». تقول كارول عبّود خلال لقائنا بها فيما يلفتنا وشم ‏Cueille le jour (أي اقطف/ي يومك) على رقبتها. تعلّق بأنّ الوشم ترجمة فرنسية بتصرّف منها ومن صديق لها للمقولة اللاتينية Carpe Diem (انتهز/ي الفرصة) المأخودة من قصيدة للشاعر الروماني هوراس التي يدعو فيها إلى استغلال اللحظة التي نعيشها بدون التفكير في الماضي أو الأمل بالمستقبل، «وضعت الوشم على رقبتي منذ عشر سنوات لأتذكّر دوماً معناه، محاولةً أن أعيش اللحظة واستمتع بها، لأنّني شخص ينوء تحت ثقل الماضي».
عن عودتها إلى الشاشة الصغيرة بعد طول غياب، تُجيب: «إذا استثينا مسلسلين لرمضان عامي 2013 و2014 مع «مركز بيروت للإنتاج» لصالح قناة «المنار»، أكون قد غبت فعلياً عن الشاشة الصغيرة ما يُقارب 15 سنة كنت خلالها على المسرح وفي السينما. تخلّلت هذا الغياب دراستي للماجستير في باريس. في عام 2019، اتصل بي وليد زيدان وهو صديق قديم من أيّام الجامعة يعمل في الكتابة الدرامية لظهور خاص في مسلسل من كتابته هو «حادث قلب»». أمّا عن وجودي خلال العامين المنصرمين في الدراما العربية المشتركة، فالفضل يعود إلى المنتجة جويل بيطار من شركة «إيغل فيلمز» التي عرفت كيف تعرض عليّ أدواراً لا يمكنني رفضها، فكان دور «عبلة» في مسلسل «أولاد آدم» (2020) هو بداية العودة الفعلية والانتشار العربي». وعن إمكان مشاركتها في عملية الإنتاج الدرامي التلفزيوني بعد خبرة سنوات راكمتها من خلال شركتها الخاصّة للإنتاج «سي كام»، تُجيب بأنّ لا مانع لديها من خوض تجربة الإنتاج الدرامي ولكن لكلّ شيء وقته.
تنتهي من تصوير دورها في مسلسل «هروب»، وتستعد لتصوير الجزء الثاني من «للموت»


مَن يعرف خامة كارول عبّود التمثيلية على المسرح وفي السينما، لا يستغرب نجاحها الساحق على الشاشة. لكن ماذا عن منسوب القلق قبل قبول خطوة العودة؟ وماذا منحتها هذه العودة؟ تشرح قائلة إنّ القلق شعور ملازم لأيّ فنان قبل البدء بأيّ مشروع، «هذا القلق هو تجاه العمل على الشخصية وتفاصيلها وعدم تكرار نفسي، والحفاظ على المستوى الفني الذي أطلبه في السينما والمسرح»، مضيفة أنّ ما قُدّم إليها كان من حسن حظّها، إذ إنّها عملت مع مخرجين ذوي مستوى فني عالٍ وبإنتاج ضخم، ما سهّل الانتشار وتوالي الأعمال.
وتصف مسلسلاتها بالقول إنّ ««أولاد آدم» (كتابة رامي كوسا وإخراج الليث حجّو) هو امتداد للمسرح، و«النحات» (2020 ـــ كتابة بثينة عوض) هو لقاء بالمخرج مجدي سميري، و«أمنيزيا» (2021 ـــــ تأليف حنين عمر وإخراج رودني حداد) اكتشاف للمسلسل القصير».
سبق لعبود أن أعلنت أنّ جزءاً ثانياً من مسلسل «للموت» (2021 ـــ كتابة نادين جابر، وإخراج فيليب أسمر، وإنتاج «إيغل فيلمز») سيضيع ألق الجزء الأول ونجاحه، لكن ها هي تشارك اليوم في الجزء الثاني بشخصية «سارية». تشرح بأنّ ما قالته هو خوف طبيعي لأيّ ممثل من أجزاء ثانية لعمل ناجح ربما لا تأتي له بجديد على صعيد تطوير الشخصية، فالجمهور سيقارن ويُخضع الممثل للتصنيف حتماً ، «للأسف لا أستطيع أن أفصح عن مسار سارية في هذا الجزء، ولكن ما أستطيع تأكيده أنّ مخاوفي لم تكن في مكانها، لأنّ المتعة التي كنا نعيشها في الجزء الأول ما زالت مستمرة مع فريق العمل في الجزء الثاني».
وحول ما يميّز المخرج فيليب أسمر عن غيره وإعلانها الندم لأنّها لم تعمل معه في الماضي، تقول بأنّه إنسان استثنائي لا يُشبه إلا نفسه. يميّزه عمله مع الممثل على الشخصيّة وعلى أدقّ تفاصيلها، «وعلى الرّغم من التعب والإعادات أي تكرار المشهد مرّات عدّة للحصول على أفضل صورة، لا أحد من الممثلين يتذمّر بل على العكس، نقدّر ونثق بما يقوم به «على العمياني»». نسألها عمّن رشّحها لمسلسل «صالون زهرة» (كتابة نادين جابر وإخراج جو بو عيد) الذي يُعرض حالياً عبر منصة «شاهد» وعن رضاها عن دور هنادي والمسلسل ككلّ، تجيب: «المخرج جو بو عيد هو الذي اتصل بي. هو صديق قديم سبق أن عملت معه في فيلمه «تنورة ماكسي»، وكل شخصيّة في المسلسل هي زهرة من بستان هذا المسلسل، وهذه الزهور تختلف بالرائحة والشكل واللون. وهنادي هي إحدى هذه الزهور». وتفصح بأنّه لم يتسنَّ لها مشاهدة المسلسل كاملاً، ولكن الجمهور قال كلمته.
 وعن مشاركتها في مسلسل «هروب»، تقول عبّود إنّه يتألّف من عشر حلقات من كتابة حنين عمر وإخراج المصري محمد جمعة، وإنتاج «إيغل فيلمز». العمل يندرج ضمن النوع التشويقي ويضم نجوماً من الكويت والبحرين ولبنان، و«حالياً أنتهي من تصوير دوري في المسلسل، وأستعد لتصوير الجزء الثاني من «للموت»».
تعزو عبّود استعانتها بالمدرّب والأكاديمي أنطوان الأشقر إلى عدم وجود متسع كافٍ من الوقت بين انتهاء دورها في مسلسل «للموت» وبدء دورها في «صالون زهرة»: «كنت ما زلت أحتفظ بتفاصيل شخصية «سارية» في لاوعيي، ولم أرد لهنادي أن تشبه سارية، فاستعنت بمدرّب للعمل على فصل الشخصيتين وإغلاق الباب على «سارية» وفتح باب جديد لـ«هنادي»».
نستغرب سعادة عبّود الكبيرة بحصولها على جائزة «موريكس دور»، هي التي شاركتْ في «مهرجان كان السينمائي» في بداياتها وزارت معظم المهرجانات العالمية وحصدت العديد من الجوائز والتنويهات على صعيد العالم، فتجيب باختصار «هو نتاج لعمل سنتين متواصلتين بجهد كبير». من المعروف أنّ عبّود امرأة قوية وصريحة وجريئة، نتساءل إن باتت أكثر دبلوماسية مع مرور الزمن على صعيد آرائها في المهنة، فتجيب «الدبلوماسية هي عكس التصادمية وليست عكس الجرأة والصراحة، وأنا امرأة صريحة وجريئة ولست تصادمية».
تعلن عبّود أنّها متشائلة في ما يتعلّق بنظرتها إلى المسرح، «أحنّ إلى لحظات وقوفي على خشبة المسرح على الرّغم مما يحيط بنا من تعثّر في صناعة العمل المسرحي وتخبّط المسارح للبقاء على قيد الحياة». أمّا عمّا حصل ويحصل مع ابنة الجميزة منذ انفجار المرفأ حتى اليوم على الصعيد النفسي، فتؤكّد أنّها ما زالت تدور في تلك اللحظة، «من المؤكّد أنّ هناك صعوبة في العودة إلى الحياة والتواصل الذي كان ما قبل التفجير». وعن أحلامها في بلد يقتل الأحلام والتفكير بالهجرة، تختم بالقول: «الأحلام باتت صغيرة منها الصحّة الجيدة والمزاج الجيّد، والقدرة على البقاء في هذه المساحة الجغرافية حيث يكمن مشروعي الفني والإنساني الأكبر».