ثماني حلقات بنهاية مفتوحة تشي بالتحضير لجزء ثانٍ، متوافرة حالياً على «شاهد VIP» تحت عنوان «باب الجحيم» (قصة وفكرة إيلي كيروز وفؤاد أرسانيوس ودافيد لطيف ــ إخراج أمين دُرّة ــ بطولة: آدم بكري، سينتيا صموئيل، سعيد سرحان، فادي أبي سمرا، يمنى مروان، حسن فرحات، ريم خوري..). دراما تشويقية تندرج ضمن الأعمال الأصلية للمنصة المنضوية تحت مظلّة شبكة mbc السعودية، تقدّم شكلاً جديداً في المسلسلات العربية وتروي حكاية افتراضية تدور في المستقبل ضمن أجواء من الأكشن والخيال العلمي، ووسط أحداث مليئة بالحركة والغموض. صحيح أنّ بيروت 2052 المتخيَّلة التي نراها في العمل لا تشبه كثيراً العاصمة اللبنانية، لكن من الصعب ألّا يرى المرء فيها امتداداً طبيعياً لها.سنوات طويلة من الحروب والأوبئة، تفرز ما يُطلق عليه اسم «اتحاد الشركات». سلطة ديكتاتورية وحشية وصارمة لا تجيد سوى الترهيب، تتعامل مع الناس على أنّهم نكرة. مجرّد أعداد وأحجار شطرنج وفئران تجارب تستخدمها في مسعاها لإطباق الحكم على العالم وكسب المزيد من المال والنفوذ. وفي ظل هذا الواقع السوداوي الذي تتخلله محاولات جدية للمقاومة من قبل «أخيار» يعملون «تحت الأرض» على قلب الطاولة، تبرز شخصية كانت راضية بالعيش على الهامش قبل أن تدخل في لعبة أكبر منها، لكن قد يتحوّل «باب الجحيم» بالنسبة إليها إلى «باب الأمل». إنّه «آدم خير الدين» (آدم بكري) الذي نشأ مع شقيقته «رحيل» في دار للأيتام وتمرّن على الفنون القتالية قبل أن توصد أبواب المكان بعد مجزرة مروّعة ارتُكبت لإنهاء تأثير هذا المكان الذي يشكّل مصدر خطر كبير في نظر الحكومة. هكذا، يفترق «آدم» عن أخته الصغرى ليبدأ بعدها رحلة البحث عنها، قبل أن يكتشف داخل أسوار «سجن الحرية» أنّها لا تزال على قيد الحياة.
في بيان رسمي صادر عن «شاهد»، يؤكّد المخرج أمين درّة أنّ «التحدي الحقيقي ينبع من كوننا لا نرتكز إلى أي شيء من الواقع، بل عمدنا إلى تقديم قصة أحداثها من نسج الخيال بما فيها الشخصيات التي تختلف بمظهرها كلياً عما نعرفه»، متوقّفاً عند مقاربته الإخراجية لهذا العمل واستخدامه لغة سينمائية بسيطة تعكس «كيف تُحاك المؤامرات وتُعقد الصفقات ضمن مكان واحد». رؤية إخراجية ثاقبة تُرجمت بجاذبية بالغة على الشاشة. وساعد الفنان الحائز جائزة «إيمي» عن مسلسله الدرامي الرقمي «شنكبوت» وصاحب فيلمَيْ Greyscale (رسوم متحركة) و«غدي» (باكورته الروائية الطويلة) في تنفيذ مهمّته فريق تقني محترف بقدرات عالمية، يضم مدير التصوير الإيطالي أوجنيو جالي والمصور رودكن دالي ومهندس الديكور حسين بيضون ومصمّمة الملابس زينة صعب وغيرهم. وهنا، تجدر الإشارة إلى احترافية مشاهد مباريات الملاكمة والقتال التي تدور في السجن، والتي استقدم من أجلها متخصّصون بالفنون القتالية السينمائية من أوروبا.
ميزانية ضخمة واستعانة بمتخصّصين أوروبيين بالفنون القتالية السينمائية


إلى جانب نجاحه في إدارة الممثلين، خصوصاً في مشاهد الأكشن والعنف، من الواضح أنّ أمين درّة أنفق الكثير من الوقت والجهد على تمرين الفريق ليكون جاهزاً لأداء المهمّة، متسلّحاً بميزانية كبيرة وفّرتها شركة الإنتاج «صبّاح إخوان» (صادق الصبّاح). كما أنّه أولى اهتماماً بالإضاءة والديكور والأزياء التي تضع المتابع في صلب أجواء العمل القاتمة وتولّد لديه غالباً شعوراً بالاختناق والضيق.
اختيار الممثلين جاء متفاوتاً. على رأس الخيارات الصائبة، يأتي الفلسطيني آدم بكري (ابن الممثل والمخرج محمد بكري وشقيق الممثل صالح بكري). بطل فيلم «عمر» (إخراج هاني أبو أسعد ــ 2013)، ممثّل حقيقي يستغلّ كل قدراته الجسدية والتعبيرية لتجسيد الشخصية، مما ظهر جلياً في ظلّ قلّة الحوارات التي يشارك فيها. مع العلم بأنّ نصوصه المقتضبة ربّما ساعدته في أداء اللهجة اللبنانية ضمن المنطقة الآمنة.
في السياق نفسه، أثبت سعيد سرحان (شخصية «صولد») أنّه ممثّل من العيار الثقيل يستأهل مساحات أكبر على الشاشتين الكبيرة والصغيرة بعدما عرفناه جيّداً في باقة من الأدوار الثانوية. الممثل الذي تولّى تأليف السيناريو والحوار بالاشتراك مع باسم بريش، سبق أنّ أكّد أنّه «استندنا في كتابة النص إلى ما نعيشه من حالة أوبئة وانعكاس كوفيد 19 على الحياة العامة... بعد هذا الفيروس وغيره، يفترض المسلسل تبدُّل شكل الحكم، وسيطرة اتحاد شركات على السلطة العالمية حيث تجري الأحداث في واقع افتراضي». هكذا، تتبدّل لعبة القوى بين الدول، مما يُفضي إلى تصادم عسكري يأتي على الأخضر واليابس: «تأخذ المجتمعات أشكال قبائل ومجموعات تحتل مراكز القوى والمرافق الرئيسية في البلاد، وتسيطر على الناس».
في المقابل، لم ترقَ سينتيا صموئيل إلى المستوى المطلوب للشخصية المسنودة إليها. فـ «عليا» تلعب دوراً محورياً في سياق الأحداث، بينما يأتي أداء الوصيفة الأولى لملكة جمال لبنان فاليري أبو شقرا (2015) فاتراً وإن كان أكثر إقناعاً من السابق.
يشكّل الإخراج رافعة أساسية للعمل وسط ضعف السيناريو الذي يبدو مشغولاً على عجل أحياناً، وإن كان يتميّز بسرعة الإيقاع. لعلّ اللجوء إلى تطعيم الحوارات باللغة الإنكليزية كون الأحداث تجري في المستقبل البعيد، ليس ضرورياً ولا موفّقاً.
مع وصول «باب الجحيم» إلى نهايته، يُدرك المشاهد أنّ موسماً جديداً سيوضع على النار قريباً. الجميع ينتظر المعركة الحقيقية التي ستدور للتغلّب على الظلم والإفلات من قبضة هذه المنظومة التي ينخر الفساد والظلم والجبروت ثناياها.

«باب الجحيم»
متوافر على «شاهد VIP»